الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

هذه الآية إِخبار من الله، وخطاب لموسى (ع) أن قومه قد حرم عليهم دخول بلد الجبارين أربعين سنة، وفي كيفية التحريم قولان:

أحدهما - قول أكثر المفسرين: أنه تحريم منع كما قال الشاعر:
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري   اني امرؤ صرعي عليك محرم
يعني دابته التي هو راكبها ويريد بذلك إِني فارس لا يمكنك أن تصرعني. وقال أبو علي: يجوز أن يكون المراد به تحريم تعبد - والأول هو الأظهر - وقال البلخي: يجوز أن يكونوا أمروا بأن يطوفوا فيه أربعين سنة يتيهون في الأرض يعني في المسافة التي بينهم وبينها. وقال الربيع: وكان مقداره ستة فراسخ. وقال مجاهد، والحسن: كانوا يصبحون حيث أمسوا. ويمسون حيث أصبحوا. وقال الحسن: لم يمت موسى (ع) في التيه. وروي عن ابن عباس أنه مات في التيه على علم منه فيه. وأما هارون فانه مات قبل موسى في التيه، وكان أكبر من موسى. واستخلف موسى يوشع بعده. وقال: إِن الله بعثه نبياً. وفي دخوله أيضاً مدينة الجبارين خلاف.

وأصل التيه التحير الذي لا يهتدى لأجله للخروج عن الطريق الى الغرض المقصود. وأصله الحيرة. يقال: تاه يتيه تيهاً: إِذا تحير. وتيهته، وتوهته، والياء أكثر. والتيهاء - من الارض - هي التي لا يهتدى فيها. يقال: أرض تيه وتيهاء. قال الشاعر:
تيه أتاويه على السفاط   
فان قيل: يجوز على جماعة - عقلا - كثيرين أن يسيروا في فراسخ يسيرة فلا يهتدوا للخروج منها؟ قلنا عنه جوابان:

أحدهما - قال أبو علي: يكون ذلك بأن تحول الأرض التي هم عليها إِذا ناموا فيردهم الى المكان الذي ابتدؤا منه.

الثاني - أن يكون بالاشتباه. والاسباب المانعة من الخروج عنها إِما بأن يمحو العلامات التي يستدل بها أو بآن يلقى شبه بعضها على بعض، ويكون ذلك معجزة خارقة للعادة.

وقيل: إِن التيه كان عقوبة لهم بعدد الايام التي عبدوا فيها العجل عن كل يوم سنة. ومن قال هذا قال: لم يكن موسى وهارون فيها، أو كانا فيها غير متوهين، كما كان ابراهيم في نار نمرود غير متألم بها.

وقوله: { أربعين سنة } نصبه يحتمل أمرين:

أحدهما - على قول الربيع بـ { محرمة } حرمها عليهم أربعين سنة.

والثاني - { يتيهون } على قول الحسن وقتادة، لانهما قالا: إِنه ما دخلها أحد منهم. وقيل: انه دخلها يوشع بن نون وكالب بن يوفنا بعد موت موسى بشهرين. قالوا لانه لا خلاف بين المفسرين أن دخولها كان محرم عليهم على طريق التأييد. وإِنما دخلها أولادهم مع يوشع وكالب بن يوفنا. وقوله: { فلا تأس على القوم الفاسقين } خطاب لموسى (ع) أمره الله أن لا يحزن على هلاكهم لفسقهم. والاسى: الحزن يقال أسى يأسى أسى أي حزن قال امرؤ القيس:
وقوفاً بها صحبي على مطيهم   يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وقال الزجاج: هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم).