الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } * { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

آيتان كوفي وثلاث بصري ومدني. هذا خطاب لأجل الكتاب من اليهود والنصارى الذين عصوا الرسول فيما أمرهم به، ودعاهم اليه، فقال لهم. قد جاءكم رسولنا محمد (صلى الله عليه واله) يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب أي يبين للناس ما كنتم تخفونه. وقال ابن عباس وقتادة: إن مما بينه رجم الزانين، وأشياء كانوا يحرفونها بسوء التأويل. وانما لم يقل: يا أهل الكتابين، لأن الكتاب اسم جنس. وفيه معنى العهد، وهو أو جزوا حسن في اللفظ من حيث كانوا، كانهم أهل كتاب واحد. والوجه في تبيين بعضه، وترك بعضه أنه يبين ما فيه دلالة على نبوة النبي (صلى الله عليه وسلم) من صفاته، ونعته، وبشارته به، وما يحتاج إلى علمه من غير ذلك مما تتفق له الأسباب التي يحتاج معها إلى استعلام ذلك، كما اتفق في الرجم وما عدا هذين مما ليس في تفصيله فائدة يكفي ذكره في الجملة.

وقوله: { ويعفو عن كثير } معناه يترك كثيراً لا يأخذكم به، ولا يذكره لانه لم يؤمر به على قول ابي علي وقال الحسن: ويصفح عن كثير بالتوبة منه. ومعنى النور في الآية يحتمل امرين:

احدهما - أنه النبي (صلى الله عليه واله) في قول الزجاج

والاخر - هو القرآن على قول ابي علي وانما سمي نوراً، لانه يهتدى به كما يهتدى بالنور، ويجب ان يتبع لانه نور مبين عن الحق من الباطل في الدين. والاولى ان يكون كناية عن النبي، لأن قوله: { وكتاب مبين } المراد به القرآن،

وقوله: { يهدي به الله } يعني يفعل اللطف المؤدي الى سلوك طريق الحق يعني بالنبي (صلى الله عليه واله) او الكتاب { من اتبع رضوانه } يعني رضا الله والرضوان والرضا من الله ضد السخط. وهو ارادة الثواب لمستحقه وقال قوم: هو المدح على الطاعة والثناء. وقال الرماني: هو جنس من الفعل يقتضي وقوع الطاعة الخالصة مما يبطلها، ويضاد الغضب. قال لان الرضا بما كان يصح، وارادة ما كان لا يصح إذ قد يصح أن يرضى بما كان، ولا يصح أن يريد ما كان. وهذا الذي ذكره ليس بصحيح، لان الرضا عبارة عن ارادة حدوث الشيء من الغير، غير انها لا تسمى بذلك إلا إذا وقع مرادها، ولم يتخللها كراهة، فتسميتها بالرضا، موقوفة على وقوع المراد إلا أن بعد وقوع المراد بفعل ارادة هي رضا لما كان فسقط ما قاله.

وقوله: { سبل السلام } السبل جمع سبيل. وفي السلام قولان:

احدهما - هو الله في قول الحسن والسدي - والمعنى دين الله. وقال: { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن }

الثاني - قال الزجاج: إنه السلامة من كل مخافة ومضرة إلا ما لا يعتد به، لانه يؤول إلى نفع في العاقبة.

وقوله: { يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه } معناه من الكفر الى الايمان، لان الكفر يتحير فيه صاحبه كما يتحير في الظلام، ويهتدي بالايمان إلى النجاة كما يهتدي. بالنور وقوله: { بإذنه } معناه بلطفه.

وقوله: { يهديهم إلى صراط مستقيم } معناه يرشدهم إلى طريق الحق. وهو دين الحق. وقال الحسن: هو الذي يأخذ بصاحبه حتي يؤديه إلى الجنة. وبه قال أبو علي. ومعنى { صراط مستقيم } طريق مستقيم وهو دين الله القويم الذي لا اعوجاج فيه.