الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

قوله: { ومن الذين قالوا إنا نصارى } انما لم يقل: من النصارى لما قاله الحسن: من أنه اراد تعالى بذلك أن يدل على أنهم ابتدعوا النصرانية التي هم عليها اليوم، وتسموابها.

وقوله: { أخذنا ميثاقهم } يعني بتوحيد الله عز وجل، والاقرار بنبوة المسيح، وجميع انبياء الله وانهم كلهم عبيد الله لا يذكر. وقال ابو علي: معناه تركوا العمل به، فكان كالذي لا يذكر.

وقوله: { مما ذكروا به } يعني فيما أنزله الله على موسى وعيسي في التوراة والانجبيل، والكتب المتقدمة.

وقوله: { فأغرينا بينهم } قال مجاهد وقتادة وابن زيد والسدي والجبائي: معناه بين اليهود والنصارى. وقال الربيع والزجاج والطبري:

معناه بين النصارى. وهو ما وقع بينهم من الخلاف نحو الملكية، وهم الروم والنسطورية، واليعقوبية من العداوة. وأصل الاغراء تسليط بعضهم على بعض. وقيل: معناه التحريش. وأصله اللصوق. يقال: غريت بالرجل غرى - مقصور وممدود - ومعناه لصقت به. قال كثير:
إذا قيل مهلا قالت العين بالبكا   غراء ومدتها حوافل تهمل
واغريت زيداً بكذا حتى غرى به. ومنه الغراء الذى يغرى به للصوق والاغراء بالشيء معناه الالصاق من جهة التسليط. وانما أغرى بينهم بالاهواء المختلفة في الدين في قول إبراهيم. وقيل. بالقاء البغضاء بينهم - عن الحسن وقتادة - وقيل: يامر بعضهم أن يعادي بعضاً في قول ابي علي فكأنه يذهب إلى ما تقدم من الامر لهم بمعاداة الكفار. والذي يقوله أن الوجه في اغراء الله فيما بينهم أنه امر النصارى بمعاداة اليهود فيما يفعله اليهود من القبيح في التكذيب بالمسيح، وشتم امه، والقذف لها والغرية عليها، واضافتها اليه تعالى، ووصفها بما لا يليق، وامر اليهود بمعاداة النصارى في اعتقادهم التثليث، وان المسيح ابن الله وغير ذلك من اعتقاداتهم الفاسدة، نقضوا هذا الميثاق واعرضوا عنه حتى صار بمنزلة المنسي فكان في ذلك أمر كل واحد منهما بالطاعة، فان قيل يمنع من ذلك قوله: { فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } فجعل اغراءه لهم بالعداوة جواباً لقوله: { فنسوا حظاً مما ذكروا به } لان الفاء تدل على الجواب. واذا كانت جواباً، وجب أن يكون (تعالى) إنما أغرى بينهم، لاجل نسيانهم للحظ الذي ذكروا به، وانه عاقبهم بهذا الاغراء، وليس في الامر والنهي والعبادات عقوبات - بلا خلاف - فدل جوابه بالفاء في قوله: { فأغرينا } عقيب قوله: { فنسوا حظاً } على أنه عاقب بالاغراء لا على ما قلتموه؟ قيل: قوله { فنسوا حظاً مما ذكروا به } جوابه وانه فعل هذا الاغراء، لاجل نسيانهم. غير أنه ليس بعقوبة، وان كان جواباً. فكا لاجل نسيانهم. غير أنه ليس بعقوبة، وان كان جواباً. فكان الاغراء إنما وقع بينهم من أجل نسيانهم لحظهم من قبل أنهم نسوا ما ذكروا به من معرفة التوحيد، والتدين به، فصاروا إلى القول بالاتحاد والشرك والفرية عليه (تعالى) فلاجل ذلك أمر الله أضدادهم بمعاداتهم، واغرائهم بهم.

السابقالتالي
2