الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

[القراءة]:

قرأ حمزه والكسائي قسية بلا الف - وقرأ الباقون قاسية - بالف.

[المعنى]:

المعني بالآية تسلية النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال الله له: لا تعجبن من هؤلاء اليهود الذين هموا ان يبسطوا ايديهم اليك وإلى اصحابك ونكثوا العهد الذي بينك وبينهم، وغدروا بك، فان ذلك من عادتهم، وعادات اسلافهم، لاني اخذت ميثاق سلفهم على عهد موسى على طاعتي، وبعثت منهم اثني عشر نقيباً، فنقضوا ميثاقي، ونكثوا عهدي، فلعنتهم بنقضهم ميثاقهم. وفي الكلام محذوف اكتفى بدلالة الظاهر عليه. والمعنى فمن كفر بعد ذلك منكم، فقد ضل سواء السبيل، فنقضوه، فلعنتهم فبما نقضهم ذلك لعناهم فاكتفى بقوله: فبما نقضهم من ذكر فنقضوا.

(وما) زائدة والتقدير فبنقضهم (وما) مؤكدة. وهو قول قتادة وجميع المفسرين ومثله قول الشاعر:
لشيء ما يسود من يسود   
والهاء والميم كنايتان عن بني اسرائيل واللعن هو الطرد للسخط على العبد، وهو الابعاد من رحمة الله على جهة العقوبة. وقال الحسن: هو المسخ الذي كان فيهم حين صاروا قردة، وخنازير. ومعنى جعلنا - ها هنا - قال البلخي: سميناها بذلك عقوبة على كفرهم، ونقض ميثاقهم. قال: ويجوز أن يكون المراد ان الله بكفرهم لم يفعل بهم اللطف الذي تنشرح به صدورهم كما يفعل بالمؤمن. وذلك مثل قولهم: افسدت سيفك: إذا تركت تعاهده حتى صدئ. ويقولون: جعلت اظافيرك سلاحك: إذا لم تقصها. ويشهد للاول قوله تعالى: { وجعلوا لله شركاء الجن } وأراد بذلك انهم سموا لله شركاء. وقال ابو علي: هو البيان عن حالهم، وجفا قلوبهم عن الايمان بالله ورسوله، كما يقال: جعلته فاسقاً مهتوكا: إذا أبان عن حاله للناس.

ومعنى قاسية. أي يابسة يقال للرحيم: لين القب، ولغير الرحيم: قاسي القلب. والقاسي والقاسح - بالحاء - الشديد الصلابة. ويقال: قسا يقسو قسوة ومنه { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } وقسية أشد مبالغة. وقاسية أعرف وأكثر في الاستعمال. وقال ابو عبيدة: قاسية معناه فاسدة من قولهم: درهم قسي أي زائف قال أبو زبيد:
لها صواهل في صم السلام كما   صاح القسيات في ايدي الصياريف
يصف وقع المساحي في الحجارة. وقال ابو عباس: الدرهم انما سمي قسياً اذا كان فاسداً لشدة صوته بالقس الذى فيه، فهو راجع الى الاول. وقال الراجر:
وقد قسوت وقسا لداتي   
وقوله: { يحرفون الكلم } فالتحريف يكون بأمرين: بسوء التاويل، وبالتغيير والتبديل، كما قال تعالى: { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله } بعد قوله: { وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب } والكلم جمع كلمة.

وقوله: { ونسوا حظاً مما ذكروا به } معناه تركوا نصيباً مما ذكروا به يعني مما أنزل على موسى.

السابقالتالي
2