الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

قوله { وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات } أي اذكر ويحتمل ثلاثة أوجه:

أولها - أن يكون معطوفاً على ما قبله، كأنه قال { يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم } ثم قال: وذلك اذ يقول يا عيسى اذكر نعمتي واذ يقول له أأنت قلت للناس.

الثاني - قال البلخي: يمكن أن يكون لما رفع الله عيسى اليه قال له ذلك، فيكون المقال ماضيا.

والثالث - ذكره أيضا البلخي أن (إِذ) استعملت بمعنى (إِذا) فيصح حينئذ أن يكون القول من الله يوم القيامة، ومثلهولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } كأنه قال اذ يفزعون، وقالولو ترى إذ الظالمون موقوفون } كأنه قال اذا وقفوا لان هذا لم يقع بعد، وقال أبو النجم:
ثم جزاه الله عنا اذ جزا   جنات عدن في العلاليِّ العلا
والمعنى اذا جرى، وقال الاسود (أعشى بني نهشل)
فالآن اذ هازلتهن قائما   يقلن ألا لم يذهب المرء مذهبا
وقال أوس:
الحافظ الناس في تحوط اذا   لم يرسلوا تحت مائذ ربعا
وهبت الشامل البليل واذ   بات كميع الفتاة ملتفعا
يقال (إذا) و (إذ) بمعنى واحد، وقال بعض أهل اليمن:
وندمان يزيد الكأس طيبا   سقيت اذا تغورت النجوم
فقال (إذا) والمعنى (إذ) لانه انما يخبر عما مضى. وقال أبو عبيدة (إذ) صلة. والمعنى قال الله: يا عيسى. وقد بينا فساد هذا القول فيما مضى فأما لفظ { قال } في معنى يقول فمستعمل كثيراً وان كان مجازاً، قال الله تعالىونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } والمراد ينادي. وقد استعمل المستقبل بمعنى الماضي، قال زياد الاعجم في المغيرة بن المهلب يرثيه بعد موته:
فاذا مررت بقبره فانحر به   خوص الركاب وكل طرف سابح
وانضج جوانب قبره بدمائها   فلقد يكون أخادم وذبائح
فقال (يكون) ومعناه (كان) لدلالة الكلام عليه، لانه في مرثية له بعد موته. وقوله { يا عيسى بن مريم } يحتمل عيسى أن يكون منصوبا مثل ما تقول: يا زيد بن عبد الله، وهو الاكثر في كلام العرب. وانما يجوز ذلك اذا وقع الابن بين علمين، فأما اذا قلت يا زيد ابن الرجل لم يجز في زيد إِلا الضم. ويحتمل أن يكون عيسى في موضع الضم ويكون نداء { ابن } كأنه قال يا عيسى يا ابن مريم.

وقوله { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إِلهين من دون الله } تقريع في صورة الاستفهام والمراد بذلك تقريع وتهديد من ادعى ذلك، لأنه تعالى كان عالما بذلك هل كان أو لم يكن. ويحتمل وجهاً آخر - ذكره البلخي ان الله تعالى أراد أن يعلم عيسى أن قومه اعتقدوا فيه وفي أمه أنهما إِلهان كما أن الواحد منا اذا أرسل رسولا الى قوم أن يفعلوا فعلا فأدى الرسالة وانصرف فخالفوا ذلك وعلم المرسل ولم يعلم الرسول جاز أن يقول المرسل للرسول: أأنت أمرتهم بذلك؟ وغرضه أن يعلمه أنهم خالفوه.

السابقالتالي
2 3