الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

أخبر الله تعالى عن عيسى (ع) أنه سأل ربه أن ينزل عليه مائدة من السماء تكون عيداً لهم لأولهم وآخرهم على ما يقترحه قومه. ورفع (تكون) لانه صفة للمائدة كما قالفهب لي من لدنك ولياً يرثني } في قراءة من رفعه لأنه جعله صفة. وفيه محذوف، لأن تقديره عيداً لنا ولأولنا وآخرنا لتصح الفائدة في تكرير اللام في أولنا وآخرنا، وقيل في معناه قولان:

أحدهما - نتخذ اليوم الذي تنزل فيه عيداً نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا - في قول السدي وقتادة وابن جريج - وهو قول أبي علي.

الثاني - يكون ذلك عائدة فضل من الله ونعمة منه تعالى. والاول هو وجه الكلام. وقيل: إِنها نزلت يوم الاحد. وقوله { وآية منك } فالآية هي الدلالة العظيمة الشأن في إِزعاج قلوب العباد إلى الاقرار بمدلولها، والاعتراف بالحق الذي يشهد به ظاهرها، فهي دلالة على توحيدك وصحة نبوة نبيك. وقيل في طعام المائدة ثلاثة أقوال:

أولها - قال ابن عباس وأبو عبد الرحمن: هو خبز وسمك، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قال عطية كانوا يجدون في السمك طيب كل طعام.

الثاني - قال عمار بن ياسر: كانا ثمراً من ثمار الجنة.

الثالث - قال زادان وابو ميسرة: كان عليها من كل طعام إِلا اللحم.

وقوله: { وارزقنا } قيل في معناه - ها هنا ـ قولان:

أحدهما - واجعل ذلك رزقاً لنا.

الثاني - وارزقنا الشكر عليها - ذكرهما الجبائي - وانما يكون الشكر رزقا منه لنا لأنه لطف فيه ووفق له وإِعانة عليه كما يكون المال رزقا لنا اذا ملكنا إِياه لا بخلقه له.

وفي الآية دلالة على أن العباد يرزق بعضهم بعضا بدلالة قوله { وأنت خير الرازقين } لانه لو لم يصح ذلك لم يجز { خير الرازقين } كما أنه لما لم يجز أن يكونوا آلهة لم يصح أن يقول أنت خير الآلهة، وصحأرحم الراحمين } وأحكم الحاكمين } وأسرع الحاسبين } وأحسن الخالقين }