الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

قرأ الكسائي والأعشى إِلا النفار { هل تستطيع } بالتاء { ربك } بنصب الباء. الباقون بالياء وضم الباء. وأدغم الكسائي اللام في التاء.

قيل في العامل في { إِذ } قولان: أحدهما - أوحيت. الثاني - اذكر إِذ قال الحواريون. وكلاهما يحتمل.

وقيل في معنى قوله { هل يستطيع ربك } ثلاثة أقوال:

أحدها - هل يقدر وكان هذا في ابتداء أمرهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله تعالى، وما يجوز عليه وما لا يجوز من الصفات، ولذلك أنكر عليهم نبيهم، فقال { اتقوا الله إن كنتم مؤمنين } ، لانه لم يستكمل ايمانهم في ذلك الوقت.

الثاني - هل يفعل ذلك قاله الحسن، كما يقول القائل: هل تستطيع أن تنهض أي هل تفعل، لأن المانع من جهة الحكمة أو الشهوة قد يجعل بمنزلة المنافي للاستطاعة.

الثالث - هل يستجيب لك ربك. قال السدي هل يطيعك ربك ان سألته، فهذا على معنى استطاع وأطاع كقولهم استجاب بمعنى أجاب، وانما حكى سيبويه استطاع بمعنى أطاع على زيادة السين. ومعنى قراءة الكسائي { هل تستطيع } ان تستدعي اجابة ربك. وأصله هل تستدعي طاعته فيما قبله من هذا - هذا قول الزجاج وفيه وجه آخر وهو هل تقدر أن تسأل ربك.

والفرق بين الاستطاعة والقدرة أن الاستطاعة انطياع الجوارح للفعل والقدرة هي ما أوجبت كون القادر قادراً ولذلك يوصف تعالى بأنه قادر، ولا يوصف بانه مستطيع. والمائدة الخوان لانها تميد بما عليها أي تحركه. قال أبو عبيدة: هي (مفعولة) في المعنى ولفظها (فاعلة) كقولهعيشة راضية } أي مرضية واصل المائدة الحركة من قولهم ماد يميد ميداً اذا تحرك، عن الزجاج. ومنه المائد المدار به في البحر ماد يميد ميداً. وماده اذا أعطاه ومنه قول رؤبة:

نهدي رؤوس المترفين الانداد   الى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطي ومادهم يميدهم ميداً اذا اطعمهم على المائدة ثم كثر حتى قيل لكل مطعم. وقوله { قال اتقوا الله إِن كنتم مؤمنين } معناه اتقوا معاصيه وكثرة سؤال الآيات، لانكم ان كنتم مؤمنين بالله وبصحة نبوة عيسى، فقد أغناكم ما عرفتموه عن الآيات واتقوا سؤال نزول المائدة، فانكم لا تعلمون ما يفعل الله بكم عند هذا السؤال.