الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

هذه الآية من الادلة الواضحة على بطلان مذهب المجبرة من قولهم: من أن الله تعالى هو الخالق للكفر والمعاصي وعبادة الاصنام وغيرها من القبائح، لأنه تعالى نفى أن يكون هو الذي جعل البحيرة أو السائبة أو الوصيلة أو الحام، وعندهم ان الله تعالى هو الجاعل له والخالق، تكذيباً لله تعالى وجرأة عليه. ثم بين تعالى أن هؤلاء بهذا القول قد كفروا بالله وأفتروا عليه بأن أضافوا اليه ما ليس بفعل له، وذلك واضح لا إِشكال فيه.

ومعنى { ما جعل الله من بحيرة } أي ما حرمها على ما حرمها أهل الجاهلية، ولا أمر بها. و (البحيرة) هي الناقة التي تشق أذنها يقال بحرت الناقة أبحرها بحراً، والناقة مبحورة، وبحيرة: اذا شققتها شقاً واسعاً، ومنه البحر لسعته. وكانوا في الجاهلية اذا نتجت الناقة خمسة أبطن وكان آخرها ذكراً بحروا أذنها أي شقوها، وامتنعوا من ركوبها وذبحها، ولم تطرد عن ماء، ولم تمنع من رعي. واذا لقيها المعيي لم يركبها.

و (السائبة) المخلاة وهي المسيبة. وكانوا في الجاهلية اذا نذر إِنسان نذراً لقدوم من سفر أو برء من مرض أو ما أشبه ذلك قال: ناقتي سائبة، فكانت كالبحيرة في التخلية، وكان اذا أعتق الانسان عبداً، فقال: هو سائبة لم يكن بينهما عقل، ولا ولاء، ولا ميراث.

و (الوصيلة) الانثى من الغنم اذا ولدت انثى مع الذكر قالوا: أوصلت أخاها فلم يذبحوه. وقال أهل اللغة: كانت الشاة اذا ولدت انثى فهي لهم، واذا ولدت ذكراً ذبحوه لآلهتهم في زعمهم، واذا ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوه لآلهتهم.

و (الحام) الفحل من الابل الذي قد حمى ظهره من أن يركب بتتابع أولاد تكون من صلبه. وكانت العرب اذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: حمى ظهره فلا يحمل عليه شيء ولا يمنع من ماء ولا مرعى. وقال محمد ابن إِسحاق: البحيرة بنت السائبة و (السائبة) هي الناقة اذا تابعت بين عشر أناث ليس فيهن ذكر سيبت فلم يركبوها ولم يجزوا وبرها ولم يشرب لبنها إِلا ضيف. فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم يخلي سبيلها مع أمها فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إِلا ضيف كما فعل بأمها.

و (الوصيلة) هي الشاة إذا أتأمت عشر أناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيها ذكر جعلت وصيلة، وقالوا قد وصلت وكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الأناث.

وقوله { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } إِخبار منه تعالى بأن هؤلاء الذين كفروا يكذبون على الله بادعائهم أن هذه الاشياء من فعل الله أو بأمره. وقوله { وأكثرهم لا يعقلون } خص الاكثر بأنهم لا يعقلون لأنهم أتباع، فهم لا يعقلون أن ذلك كذب وافتراء كما يفعله الرؤساء - في قول قتادة والشعبي - وقال ابو علي { أكثرهم لا يعقلون } ما أحل لهم وما حرم عليهم، يعني أن المعاند هو الاقل منهم.