الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قيل في سبب نزول هذه الآية قولان:

أحدهما - قال ابن عباس وأنس وابو هريرة والحسن وقتادة وطاوس والسدي: أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجل يقال له عبد الله وكان يطعن في نسبه فقال: يا رسول الله من أبي، فقال له حذافة. فنزلت الآية. وقال أبو هريرة ومجاهد: نزلت حين سألوا عن أمر الحج لما انزل { ولله على الناس حج البيت } فقالوا: في كل عام؟ قال: لا ولو قلت نعم لوجب. وقال قوم وقع السؤال الاول والثاني في مجلس واحد، فخاطب الله تعالى بهذه الآية المؤمنين ونهاهم عن مسألة الاشياء التي اذا أبديت وأظهرت ساءت واحزنت من أظهرت له.

يقال بدا يبدو بدوَّاً. وابداه إِبداء اذا أظهره وبدا له في الامر بدواً وبداً وبداء اذا تغير رأيه، لأنه ظهر له. والبادية خلاف الحاضرة. والبدو خلاف الحضر من الظهور. وقيل في وزن { أشياء } ثلاثة أقوال:

قال الكسائي: هو أفعال إِلا انه لم يصرف، لأنهم شبهوه بحمراء فالزمه الزجاج ألا يصرف اسماء ولا انباء.

الثاني - قال الاخفش والفراء هي (فعلاء) كقولك هين وأهوناء فالزمه المازني وقال: سله كيف يصغرها؟ فقال الاخفش { أشياء } فقال يجب ان يصغرها شيئات كما يصغر اصدقاء في المؤنث صديقات في المذكر صديقون. قال الزجاج إنما قيل في هين: أهوناء لأن هين أصله (هيين) على وزن فعيل فجمع على أفعلاء كنصب وانصباء.

الثالث - قال الخليل وسيبويه: (افعاء) مقلوبة كما قلبوا (انيق) عن انوق، وقسمي عن قؤوس.

وقوله { تسؤكم } معناه تحزنكم. وقوله { عفا الله عنها والله غفور رحيم } قيل فيما يعود الضمير اليه في { عنها } قولان:

احدهما - قال قوم على المسألة، لان قوله { لا تسألوا } دليل عليها فيكون العفو عن مسألتهم التي سلفت منهم.

الثاني - على الاشياء التي سألوا عنها من أمور الجاهلية، وما جرى مجراها مما يسؤهم تشديد المحنة فيها.

وقوله { قد سألها قوم من قبلكم } قال ابن عباس: سأل قوم عيسى (ع) إنزال المائدة ثم كفروا بها. وقال غيره: هم قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها وكفروا بها. وقال السدي هذا حين سألوا أن يحول لهم الصفا ذهباً. وقال أبو علي: انما كانوا سألوا نبيهم عن مثل هذه الاشياء يعني من آيات ونحوها فلما أخبرهم النبي (صلى الله عليه وسلم) قالوا: ليس الامر كذلك، فكفروا به.

وقال الرماني: السؤال هو طلب الشيء اما بايجاده واما بإِحضاره واما بالبيان عنه، والذي يجوز السؤال عنه هو ما يجوز العمل عليه من أمر دين أو دنيا. وما لا يجوز العمل عليه من أمر دين أو دنيا لا يجوز السؤال عنه ولا يجوز أن يسأل الله تعالى شيئاً إِلا بشرط انتفاء وجود القبح عن الاجابة، فعلى هذا لا يجوز أن يسأل الانسان: من أبي لان المصلحة اقتضت ان من ولد على فراش انسان حكم بأنه ولده. وإن لم يكن مخلوقاً من مائه، فالمسألة بخلافه سفه لا يجوز.