الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }

هذا خطاب من الله (تعالى) للمؤمنين المعترفين بوحدانيته تعالى المقرين له بالعبودية المصدقين لرسوله (صلى الله عليه وسلم) في نبوته، وفيما جاء به من عند الله من شريعة الاسلام، أمرهم الله بايفاء العقود وهي العهود التي عاهدوها مع الله وأوجبوا على انفسهم حقوقاً، والزموا نفوسهم بها فروضاً امرهم الله تعالى بالاتمام بالوفاء والكمال لما لزمهم يقال: أوفى بالعهد ووفى به وأوفى به لغة أهل الحجاز. وهي لغة القرآن، واختلف اهل التأويل في العقود التي امر الله (تعالى) بالوفاء بها في هذه الآية بعد اجماعهم على ان المراد بالعقود العهود، فقال قوم: هي العقود التي كان اهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضاً على النصرة والمؤازرة. والمظاهرة على من حاول ظلمهم او بغاهم سوءً وذلك هو معنى الحلف. ذهب اليه ابن عباس ومجاهد، والربيع ابن أنس والضحاك وقتادة والسدي وسفيان الثوري.

والعقود جمع عقد. وأصله عقد الشيء بغيره. وهو وصله به، كما يعقد الحبل إذا وصل به شيئاً. يقال منه: عقد فلان بينه وبين فلان عقداً فهو يعقده. قال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم   شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
وذلك إذا واثقه على امر عاهده على عهد بالوفاء له بما عاقده عليه من امان، أو ذمة أو نصرة، أو نكاح أو غيره ذلك. قال قتادة: هي عقود الجاهلية الحلف. ويقال: اعقدت العسل فهو عقيد ومعقد وروى بعضهم عقدت، العسل والكلام وأعقدت. وقال آخرون: هي العهود التي أخذ الله على عباده بالابان به، وطاعته فيما احل لهم أو حرم عليهم. روي ذلك عن ابن عباس وقال: هو ما أحل وحرم وما فرض، وما حد في القرآن كله، فلا تعدوا أو لا تنكثوا، ثم سدد فقال: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه إلى قوله: سوء الدار }. وبه قال أيضاً مجاهد: وقال قوم: بل العقود التي يتعاقدها الناس بينهم ويعقدها المرء على نفسه كعقد الايمان، وعقد النكاح، وعقد العهد، وعقد البيع، وعقد الحلف. ذهب اليه عبد الله بن عبيدة وابن زيد، وهو عبد الرحمن بن زيد بن اسلم عن ابيه. وقال اخرون: ذلك امر من الله لاهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في التوراة والأنجيل في تصديق محمد (صلى الله عليه واله) وما جاء به من عند الله. ذكر ذلك ابن جريج وأبو صالح. وقال الجبائي: أراد به الوفاء بالايمان فيما يجوز الوفاء به. فاما ما كان يميناً بالمعصية، فعليه حنثه وعليه الكفارة. وعندنا ان اليمين في معصية لا تنعقد، ولا كفارة في خلافها. وأقوى هذه الاقوال ما حكيناه عن ابن عباس أن معناه أوفوا بعقود الله التي أوجبها عليكم، وعقدها فيما أحل لكم وحرم، وألزمكم فرضه.

السابقالتالي
2 3