الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } * { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

قوله { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ } خطاب من الله - عز وجل - للمؤمنين بأنه { إذا جاءكم فاسق } وهو الخارج من طاعة الله إلى معصيته { بنبأ } أي بخبر عظيم الشأن { فتبينوا } صدقه من كذبه ولا تبادروا إلى العمل بمتضمنه { أن تصيبوا قوماً بجهالة } لانه ربما كان كاذباً وخبره كذباً، فيعمل به فلا يؤمن بذلك وقال ابن عباس ومجاهد ويزيد بن رومان وقتادة وابن أبي ليلا: نزلت الآية في الوليد ابن عقبة بن أبي معيط، لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله في صدقات بني المصطلق خرجوا يتلقونه فرحاً به وإكراماً له، فظن أنهم هموا بقتله، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: انهم منعوا صدقاتهم، وكان الأمر بخلافه.

وفي الآية دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم ولا العمل، لأن المعنى إن جاءكم فاسق بالخبر الذي لا تأمنون أن يكون كذباً فتوقفوا فيه، وهذا التعليل موجود فى خبر العدل، لان العدل على الظاهر يجوز أن يكون كاذباً فى خبره، فالأمان غير حاصل في العمل بخبره. وفى الناس من استدل به على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان راويه عدلا، من حيث انه اوجب تعالى التوقف فى خبر الفاسق، فدل على أن خبر العدل لا يجب التوقف فيه. وهذا الذي ذكروه غير صحيح، لانه استدلال بدليل الخطاب ودليل الخطاب ليس بدليل عند جمهور العلماء. ولو كان صحيحاً فليست الآية بأن يستدل بدليلها على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان عدلا بأولى من ان يستدل بتعليلها فى دفع الأمان من أن يصاب بجهالة إذا عمل بها على ان خبر العدل مثله، على أنه لا يجب العمل بخبر الواحد، وإن كان راويه عدلا.

فان قيل: هذا يؤدي إلى أن لا فائدة في إيجاب التوقف فى خبر الفاسق إذا كان خبر العدل مثله فى الفائدة.

قلنا: والقول بوجوب العمل بخبر الواحد يوجب أنه لا فائدة فى تعليل الآية فى خبر الفاسق الذي يشاركه العدل فيه، فاذا تقابلا سقط الاستدلال بها على كل حال وبقي الأصل فى انه لا يجوز العمل بخبر الواحد إلا بدليل.

ومن قرأ { تبينوا } أراد تعرفوا صحة متضمن الخبر الذي يحتاج إلى العمل عليه، ولا تقدموا عليه من غير دليل، يقال: تبين الأمر إذا ظهر، وتبين هو نفسه بمعنى واحد، ويقال ايضاً: تبينته إذا عرفته. ومن قرأ { فتثبتوا } - بالتاء والثاء - أراد توقفوا فيه حتى يتبين لكم صحته.

وقوله { فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } معناه متى عملتم بخبر الواحد وبان لكم كذب راويه أصبحتم نادمين على ما فعلتموه.

السابقالتالي
2 3