الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قرأ يعقوب { لا تقدموا } بفتح التاء والدال. الباقون بضم التاء وكسر الدال من التقديم. وقيل: انهما لغتان. قدم وتقدم مثل عجل وتعجل وقال ابن عباس والحسن: الآية { لا تقدموا } في الحكم أو في الأمر قبل كلامه صلى الله عليه وآله - بفتح الدال والتاء - وقال الحسن: ذبح قوم قبل صلاة العيد يوم النحر، فأمروا باعادة ذبيحة اخرى. وقال الزجاج: المعنى لا تقدموا أعمال الطاعة قبل الوقت الذي أمر الله والنبي صلى الله عليه وآله به حتى قيل: لا يجوز تقدم الزكاة قبل وقتها. وقال قوم: كانوا إذا سألوا عن شيء قالوا فيه قبل النبي صلى الله عليه وآله نهوا عن ذلك، والأولى حمل الآية على عمومها فيقال: كل شيء إذا فعل كان خلافاً لله ورسوله فهو تقدم بين أيديهما فيجب المنع من جميع ذلك.

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين الذين اعترفوا بتوحيده وإخلاص عبادته وأقروا بنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وآله ينهاهم أن يتقدموا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله بأن يفعلوا خلاف ما أمر به او يقولوا في الاحكام قبل ان يقول او يخالفوا أوقات العبادة، فان جميع ذلك تقدم بين يديه، وأمرهم ان يتقوا الله بأن يجتنبوا معاصيه ويفعلوا طاعاته { إن الله سميع } لما يقولونه { عليم } بما ينطوون عليه ويضمرونه. ثم أمرهم ثانياً بأن قال { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } على وجه الاستخفاف به صلى الله عليه وآله، فان مجاهد وقتادة قالا: جاء أعراب اجلاف من بني تميم، فجعلوا ينادون من وراء الحجرات: يا محمد إخرج إلينا، ولو أن إنساناً رفع صوته على صوت النبي صلى الله عليه وآله على وجه التعظيم له والاجابة لقوله لم يكن مأثورماً. وقد فسرّ ذلك بقوله { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } فان العادة جارية أن من كلم غيره ورفع صوته فوق صوته أن ذلك على وجه الاستخفاف به، فلذلك نهاهم عنه. وجهر الصوت اشد من الهمس، ويكون شديداً وضعيفاً ووسطاً. والجهر ظهور الصوت بقوة الاعتماد، ومنه الجهارة فى المنطق. ويقال: نهاراً جهاراً، وجاهر بالأمر مجاهرة. ونقيض الجهر الهمس.

ثم بين تعالى انهم متى فعلوا ذلك بان يرفعوا الصوت على صوت النبي صلى الله عليه وآله على الوجه الذي قلناه أن يحبط اعمالهم، والتقدير لا ترفعوا أصواتكم لأن لا تحبط قال الزجاج: ويكون اللام لام العاقبة، والمعنى يحبط ثواب ذلك العمل، لانهم لو أوقعوه على وجه الاستحقاق لاستحقوا به الثواب، فلما فعلوه على خلاف ذلك استحقوا عليه العقاب، وفاتهم ذلك الثواب فذاك إحباط أعمالهم، فلا يمكن أن يستدل بذلك على صحة الاحباط فى الآية على ما يقوله أصحاب الوعيد، ولأنه تعالى علق الاحباط في الآية بنفس العمل، وأكثر من خالفنا يعلقه بالمستحق على الأعمال، وذلك خلاف الظاهر.

السابقالتالي
2