الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } * { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ }

قرا اهل البصرة { لا يألتكم } بالهمزة. الباقون { لا يلتكم } بلا همزة، وهما لغتان، يقال: ألت يألت إذا أنقص، ولات يليت مثل ذلك. وفى المصحف بلا الف وقال الشاعر:
وليلة ذات ندى سريت   ولم يلتني عن سراها ليت
ومعنى الآية لا ينقصكم من أعمالكم شيئاً، ومنه قولهوما ألتناهم من عملهم من شيء } أي ما نقصناهم. وقرأ يعقوب { ميتاً } بالتشديد. الباقون بالتخفيف. والتشديد الأصل، وهو مثل سيد وسيد.

يقول الله مخاطباً للمؤمنين الذين وحدوه وأخلصوا العبادة له وصدقوا نبيه وقبلوا ما دعاهم الله اليه { لا يسخر قوم مْن قوم } ومعناه لا يهزأ به ويتلهى منه، وقال مجاهد: لا يسخر غني من فقير لفقره بمعنى لا يهزأ به، والسخرية بالاستهزاء ولو سخر المؤمن من الكافر احتقاراً له لم يكن بذلك مأثوماً، فأما فى صفات الله، فلا يقال إلا مجازاً كقولهفإنا نسخر منكم كما تسخرون } معناه إنا نجازيكم جزاء السخرية.

ثم قال { عسى أن يكونوا خيراً منهم } لانه ربما كان الفقير المهين فى ظاهر الحال خيراً عند الله وأجل منزلة واكثر ثواباً من الغني الحسن الحال. وقال الجبائي: يجوز ان يكونوا خيراً منهم فى منافع الدنيا، وكثرة الانتفاع بهم. وقوله { ولا نساء من نساء } أي ولا يسخر نساء من نساء على هذا المعنى { عسى أن يكن خيراً منهن } ويقال: هذا خير من هذا بمعنى أنفع منه في ما يقتضيه العقل، وكذلك كان نسب رسول الله صلى الله عليه وآله خير من نسب غيره، ثم قال { ولا تلمزوا أنفسكم } فاللمز هو الرمي بالعيب لمن لا يجوز ان يؤذى بذكره، وهو المنهي عنه، فأما ذكر عيبه، فليس بلمز، وروي انه صلى الله عليه وآله قال " قولوا فى الفاسق ما فيه كي يحذره الناس " وقال الحسن: فى صفة الحجاج أخرج الينا نباتاً قصيراً قل ما عرفت فيها إلا عنه فى سبيل الله ثم جعل يطبطب بشعيرات له، ويقول: يابا سعيد. ولو كان مؤمناً لما قال فيه ذلك. وقال ابن عباس وقتادة: معناه لا يطعن بعضكم على بعض كما قالولا تقتلوا أنفسكم } لان المؤمنين كنفس واحدة، فكأنه بقتله اخاه قاتل نفسه.

وقوله { ولا تنابزوا بالألقاب } قال ابو عبيدة: الانباز والالقاب واحد فالنبز القذف باللقب، نهاهم الله أن يلقب بعضهم بعضاً. وقال الضحاك: معناه كل اسم او صفة يكرة الانسان أن يدعى به، فلا يدع به. وإنما يدعى بأحب اسمائه اليه. وقوله { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } لا يدل على ان المؤمن لا يكون فاسقاً لأن الايمان والفسق لا يجتمعان، لأن ذلك يجري مجرى ان يقال: بئس الحال الفسوق مع الشيب على ان الظاهر يقتضي ان الفسوق الذي يتعقب الايمان بئس الاسم، وذلك لا يكون إلا كفراً، وهو بئس الاسم.

السابقالتالي
2 3 4