الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

قرأ ابن كثير وابو عمرو { دائرة السوء } بضم السين. الباقون بفتحها، وقد فسرناه في ما تقدم. فالسوء المصدر والسوء الاسم. وقال قوم - بالفتح - الفساد مثل قوله { وظننتم ظن السوء } لأنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وآله لا يعود إلى موضع ولادته أبداً. وقرأ ابن كثير وابو عمرو { ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه ويوقروه ويسبحوه } بالياء أربعهن، على وجه الاخبار من الله عز وجل عن نفسه.

لما اخبر الله تعالى عن نفسه أنه يدخل المؤمنين والمؤمنات جنات، ووصفها اخبر فى هذه الآية انه يعذب المنافقين والمنافقات وهم الذين يظهرون الايمان ويبطنون الشرك. والنفاق إسرار الكفر وإظهار الايمان، فكل نفاق هو إظهار خلاف الابطان. وأصله من نافقاء اليربوع، وهو أن يجعل لسربه بابين يظهر أحدهما ويخفي الآخر، فاذا أتي من الظاهر خرج من الآخر، فالمنافق يقوي الباطل على الحق بالظن له، وإلقاء خلافه لتضييعه الدليل المؤدي اليه، { والمشركين والمشركات } وهم الذين يعبدون مع الله غيره، ويدخل فى ذلك جميع الكفار. ثم وصفهم فقال { الظانين بالله } يعني الذين يظنون بالله { ظن السوء } أي يتوهمون ان الله ينصرهم على رسوله، وذلك قبيح لا يجوز وصف الله بذلك. ثم قال تعالى { عليهم دائرة السوء } فالدائرة هي الراجعة بخير او شر قال حميد بن ثور:
ودائرات الدهر ان تدورا   
ومن قرأ { دائرة السوء } بضم السين - أراد دائرة العذاب، ومن قرأ - بالفتح - أراد ما عاد عليهم من قتل المؤمنين وغنمهم أموالهم، فهدا حسن. وقيل { عليهم دائرة السوء } أي جزاء ظنهم السوء من العذاب. ومن ضم اراد الشر، ويقال: رجل سوء - بالفتح - أي رجل فساد. ثم قال { وغضب الله عليهم } أي لعنه لهم وعذابه { ولعنهم } أي أبعدهم من رحمته. وقوله { وأعد لهم جهنم } يجعلهم فيها.

ثم قال { وساءت مصيراً } أي ساءت جهنم مآلا ومرجعاً، لما فيها من انواع العقاب.

وقوله { ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً } قد فسرناه، وإنما أعيد ذكر { ولله جنود... } لأنه متصل بذكر المنافقين أي وله الجنود التي يقدر على الانتقام منكم بها، وذكر أولا، لأنه متصل بذكر المؤمنين أي له الجنود التي يقدر ان يغنيكم بها. والعزيز القادر الذي لا يقهر. وقيل { هو العزيز } فى إنتقامه من أعدائه { الحكيم } فى جميع أفعاله. ثم خاطب نبيه محمد صلى الله عليه وآله فقال { إنا أرسلناك } يا محمد { شاهداً } يعني على أمتك بالبلاغ والدعاء إلى إخلاص عبادته. أو شاهداً بما عملوه من طاعة ومعصية و { شاهداً } نصب على حال مقدر على القول الأول، وعلى حال غير مقدرة على القول الثاني. { ومبشراً } نصب على الحال الحاصلة.

السابقالتالي
2