الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } * { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً }

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } قال البلخي: الفتح يكون فى القتال وبالصلح، وباقامة الحجج، ويكون المعنى { إنا فتحنا لك } بحجج الله وآياته { فتحاً مبيناً } لينصرك الله بذلك على من ناواك. وقال قتادة: نزلت هذه الآية عند رجوع النبي صلى الله عليه وآله من الحديبية، بشر فى ذلك الوقت بفتح مكة، وتقديره { إنا فتحنا لك } مكة. وقال البلخي عن الشعبي فى وقت الحديبية بويع النبي صلى الله عليه وآله بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس، وبلغ الهدي محله. والحديبية بئر، فروي انها غارت فمج النبي صلى الله عليه وآله فيها فظهر ماؤها حتى امتلاءت به. وقال قتادة: معنى { فتحنا } قضينا لك بالنصر. وقيل: معناه اعلمناك علماً ظاهراً في ما أنزلناه عليك من القرآن واخبرناك به من الدين، وسمي العلم فتحاً، كما قالوعنده مفاتح الغيب } أي علم الغيب. وقالإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } وقال الزجاج: معناه ارشدناك إلى الاسلام، وفتحنا لك الدين بدلالة قولهليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } وقال مجاهد { فتحنا لك فتحاً مبينا } يعني نحره بالحديبية وحلقه. وقال قتادة: معناه قضينا لك قضاء بيناً. وفي الحديبية مضمض رسول الله صلى الله عليه وآله فى البئر وقد غارت فجاشت بالرواء. والفتح هو القضاء من قولهم: اللهم أفتح لي. وقوله تعالىربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } والفتح الفرج المزيل للهم. ومنه فتح المسألة إذا انفرجت عن بيان ما يؤدي إلى المطلوب، ومنه فتح عليه القراءة، لانه متعلق بالسهو، وينفتح بالذكر والفتح المبين هو الظاهر، وكذلك جرى فتح مكة.

وقوله { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } قيل جعل غفرانه جزاء عن ثوابه على جهاده في فتح مكة. وقيل فى معناه اقوال:

احدها - ما تقدم من معاصيك قبل النبوة وما تأخر عنها.

الثاني - ما تقدم قبل الفتح وما تأخر عنه.

الثالث - ما قد وقع منك وما لم يقع على طريق الوعد بأنه يغفره له إذا كان.

الرابع - ما تقدم من ذنب أبيك آدم، وما تأخر عنه.

وهذه الوجوه كلها لا تجوز عندنا، لأن الانبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم فعل شيء من القبيح لا قبل النبوة ولا بعدها، لا صغيرها ولا كبيرها فلا يمكن حمل الآية على شيء مما قالوه، ولا صرفها إلى آدم لان الكلام فيه كالكلام فى نبينا محمد صلى الله عليه وآله ومن حمل الآية على الصغائر التي تقع محبطة فقوله فاسد، لأنا قد بينا أن شيئاً من القبائح لا يجوز عليهم بحال.

السابقالتالي
2 3