الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قرأ ابن كثير إلا ابن فليح { شطأه } بفتح الطاء ومثله ابن ذكوان. الباقون باسكانها. وقرأ اهل الشام { فازره } مقصور، الباقون بالمد، وهما لغتان من فعل الشيء وفعله غيره نحو كسبت مالا وكسبني غيرى، ونزحت البئر ونزحتها ويقال: أزر النبت وآزره غيره. وقوله { إذ جعل } متعلق بقوله { لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } يعني الأنفة. ثم فسر تلك الأنفة، فقال { حمية الجاهلية } الاولى يعني عصبتهم لآلهتم من أن يعبدوا غيرها. وقال الزهري: هي انفتهم من الاقرار لمحمد بالرسالة. والاستفتاح بـ { بسم الله الرحمن الرحيم } على عادته فى الفاتحة، حيث أراد ان يكتب كتاب العهد بينهم. ودخولهم مكة لاداء العمرة.

ثم قال تعالى { فأنزل الله سكينته على رسوله } أي فعل به صلى الله عليه وآله من اللطف والنعمة ما سكنت اليه نفسه وصبر على الدخول تحت ما أرادوه منه { وعلى المؤمنين } أي ومثل ذلك فعل بالمؤمنين { وألزمهم كلمه التقوى } قال ابن عباس وقتادة: كلمة التقوى قول: لا إلا إلا الله محمد رسول الله. وقال مجاهد: هي كلمة الاخلاص { وكانوا أحق بها وأهلها } يعني المؤمنين كانوا أهلها واحق بها. قال الفراء: ورأيتها فى مصحف الحارث بن سويد التميمي من أصحاب عبد الله { وكانوا أهلها واحق بها } وهو تقديم وتأخير، وكان مصحفه دفن أيام الحجاج. وقيل: ان التقدير كانوا أحق بنزول السكينة عليهم وأهلاً لها. وقيل: المعنى فكانوا أحق بمكة أن يدخلوها وأهلها. وإنما قال { أحق } لأنه قد يكون حق أحق من حق غيره، لأن الحق الذي هو طاعة يستحق به المدح أحق من الحق الذي هو مباح لا يستحق به ذلك { وكان الله بكل شيء عليماً } لما ذم الكفار تعالى بحمية الجاهلية ومدح المؤمنين بالسكينة والزوم الكلمة الصادقة بين علمه ببواطن أمورهم وما تنطوي عليه ضمائرهم إذ هو العالم بكل شيء من المعلومات.

وقوله { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام } قسم من الله تعالى ان النبي صلى الله عليه وآله صادق فى قوله انه رأى فى المنام انه يدخل هو والمؤمنون المسجد الحرام، وانه لا بد من كون ذلك. وقوله { إن شاء الله آمنين } قال قوم تقييد لدخول الجميع او البعض. وقال قوم: ليس ذلك شرطاً لأنه بشارة بالرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله وطالبه الصحابة بتأويلها وحققها. قوله { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } ثم استؤنف على طريق الشرح والتأكيد { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله } على الفاظ الدين، كأنه قيل بمشيئة الله، وليس ينكر أن يخرج مخرج الشرط ما ليس فيه معنى الشرط، كما يخرج مخرج الأمر ما ليس فى معنى الأمر لقرينة تصحب الكلام.

السابقالتالي
2 3