الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا }

لما خبر الله تعالى انه سيهدي المؤمنين إلى طريق الجنة، ويصلح حالهم فيها، بين أنه ايضاً { يدخلهم الجنة عرفها لهم } وقيل فى معنى { عرفها لهم } قولان:

احدهما - بانه عرفها لهم بان وصفها على ما يسوق اليها، ليعملوا بما يستوجبونها به من طاعة الله وإجتناب معاصيه.

والثاني - عرفها لهم بمعنى طيبها بضروب الملاذ، مشتقاً من العرف، وهي الرائحة الطيبة التي تتقبلها النفس تقبل ما تعرفه ولا تنكره. وقال ابو سعيد الخدري وقتادة ومجاهد وابن زيد: معناه انهم يعرفون منازلهم فيها كما كانوا يعرفون منازلهم فى الدنيا. وقال الحسن: وصف الجنة فى الدنيا لهم، فلما دخلوها عرفوها بصفتها.

ثم خاطب المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا } بتوحيد الله وصدقوا رسوله { إن تنصروا الله ينصركم } ومعناه إن تنصروا دينه بالدعاء اليه، واضافه إلى نفسه تعظيماً كما قالمن ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } وقيل معناه { تنصروا الله } تدفعوا عن نبيه { ينصركم } الله، أي يدفع عنكم اعداءكم في الدنيا عاجلا، وعذاب النار آجلا { ويثبت أقدامكم } فى حال الحرب. قيل: ويثبت أقدامكم يوم الحساب.

ثم قال { والذين كفروا } بنعم الله وجحدوا نبوة نبيه { فتعساً لهم } أي خزياً لهم وويلا لهم، فالتعس الانحطاط والعثار عن منازل المؤمنين { وأضل أعمالهم } أي أهلكها وحكم عليها بالضلال. وإنما كرر قوله { وأضل أعمالهم } و { فأحبط أعمالهم } تأكيداً، ومبالغة فى الزجر عن الكفر والمعاصي وكرر ذكر النعيم إذا ذكر المؤمنين مبالغة فى الترغيب فى الطاعات. وإنما عطف قوله { وأضل } وهو (فعل) على قوله { فتعساً } وهو اسم، لأن المعنى اتعسهم الله وأضل اعمالهم فلذلك حسن العطف.

ثم بين تعالى لم فعل ذلك، فقال فعلنا { ذلك } جزاء لهم على معاصيهم { بأنهم كرهوا ما أنزل الله } من القرآن والاحكام وأمرهم بالانقياد لها، فخالفوا ذلك { فأحبط أعمالهم } من أجل ذلك أي حكم ببطلانها، لأنها وقعت على خلاف الوجه المأمور به.

ثم نبههم على الاستدلال على صحة ما دعاهم اليه من توحيده وإخلاص العبادة له، فقال { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } حين أرسل الله اليهم الرسل فدعوهم إلى توحيده وإخلاص العبادة له، فلم يقبلوا منهم وعصوهم وعملوا بخلافه، فأهلكهم الله جزاء على ذلك { ودمر عليهم } مثل ما فعل بعاد وثمود وقوم لوط وأشباههم. ثم قال { وللكافرين } بك يا محمد إن لم يقبلوا ما تدعوهم إليه { أمثالها } أي امثال تلك العقوبات أي هم يستحقون مثلها، وإنما يؤخر عذابهم تفضلا منه.