الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ }

قرأ ابن كثير فى احدى الروايتين { آنفاً } على وزن (فعل) الباقون { آنفاً } بالمد على وزن (فاعل) قال ابو علي الفارسي: جعل ابن كثير ذلك مثل (حاذر، وحذر. وفاكه، وفكه) والوجه الرواية الأخرى.

حكى الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله أن من الكفار من إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله واستمع لقراءة القرآن منه وسمع ما يؤديه إلى الحق من الوحي وما يدعوه اليه، فلا يصغي اليه ولا ينتفع به حتى إذا خرج من عنده لم يدر ما سمعه ولا فهمه، ويسألون أهل العلم الذين آتاهم الله العلم والفهم من المؤمنين { ماذا قال آنفاً } اي أي شيء قال الساعة؟ وقيل: معناه قريباً مبتدياً. وقيل: إنهم كانوا يتسمعون للخطبة يوم الجمعة وهم المنافقون، والآنف الجائي باول المعنى ومنه الاستئناف، وهو استقبال الأمر بأول المعنى، ومنه الانف لأنه اول ما يبدو من صاحبه، ومنه الأنفة رفع النفس عن أول الدخول فى الرتبة. وإنما قال { ومنهم من يستمع إليك } فرده إلى لفظة (من) وهي موحدة. ثم قال { حتى إذا خرجوا } بلفظ الجمع برده إلى المعنى، لان (من) يقع على الواحد والجماعة.

ثم قال تعالى { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم } أي وسم قلوبهم وجعل عليها علامة تدل على انهم كفار لا يؤمنون، وهو كالختم وإن صاحبه لا يؤمن فطبع الله على قلوب هؤلاء الكفار ذماً لهم على كفرهم أي لكونهم عادلين عن الحق واخبر أنهم { اتبعوا } فى ذلك { أهواءهم } وهو شهوة نفوسهم وما مال اليه طبعهم دون ما قامت عليه الحجة يقال: هوى يهوي هوى فهو هاو، واستهواه هذا الأمر أي دعاه إلى الهوى.

ثم وصف تعالى المؤمنين فقال { والذين اهتدوا } إلى الحق، ووصلوا إلى الهدى والايمان { زادهم هدى } فالضمير فى زادهم يحتمل ثلاثة اوجه:

احدها - زادهم الله هدى بما ينزل عليهم من الآيات والاحكام، فاذا اقروا بها وعرفوها زادت معارفهم.

الثاني - زادهم ما قال النبي صلى الله عليه وآله هدى.

الثالث - زادهم استهزاء المنافقين إيماناً.

والوجه فى إضافة الزيادة فى الهدى إلى الله هو ما يفعله تعالى بهم من الألطاف التي تقوي دواعيهم إلى التمسك بما عرفوه من الحق وتصرفهم عن العدول إلى خلافه. ويكون ذلك تأكيداً لما عملوه من الحق وصارفاً لهم عن تقليد الرؤساء من غير حجة ولا دلالة. ثم قال { وآتاهم } على زيادة الهدى { تقواهم } أي خوفاً من الله من معاصيه ومن ترك مفترضاته بما فعل بهم من الالطاف فى ذلك. وقيل معناه { آتاهم } ثواب { تقواهم } ولا يجوز ان يكون المراد خلق لهم تقواهم لانه يبطل أن يكون فعلهم.

السابقالتالي
2