الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

لما قال تعالى إنه لا أحد أضل عن طريق الحق ممن يدعو من لا يستجيب له، يعني الاصنام التي عبدوها وإنهم عن دعائهم غافلون ايضاً، ذكر انه { إذا حشر الناس } يوم القيامة وبعثهم الله للثواب والعقاب { كانوا لهم أعداء } يعني هذه الاوثان التي عبدوها ينطقهم الله حتى يجحدوا أن يكونوا دعو إلى عبادتها او شعرت بذكر من أمرها { وكانوا بعبادتهم كافرين } يعني يكفرون بعبادة الكفار لهم ويجحدون ذلك. ثم وصفهم ايضاً فقال { وإذا تتلى عليهم } يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم { آياتنا } أى أدلتنا التي انزلناها من القرآن ونصبناها لهم. والآية الدلالة التى تدل على ما يتعجب منه، قال الشاعر:
بآية يقدمون الخيل زوراً   كأن على سنابكها مداماً
ويروى مناكبها و { بينات } أى واضحات { قال الذين كفروا } بوحدانية الله وجحدوا نعمه { للحق لما جاءهم } يعني القرآن، والمعجزات التي ظهرت على يد النبي صلى الله عليه وآله { هذا سحر مبين } أى حيلة لطيفة ظاهرة، ومن اعتقد ان السحر حيلة لطيفة لم يكفر بلا خلاف. ومن قال انه معجزة كان كافراً، لانه لا يمكنه مع هذا القول ان يفرق بين النبي والمتنبي.

ثم قال { أم يقولون افتراه } أي بل يقولون اختلقه واخترعه فقال الله تعالى له { قل } لهم { إن } كنت { افتريته } وأخترعته { فلا تملكون لي من الله شيئاً } أي ان كان الأمر على ما تقولون إني ساحر ومفتر لا يمكنكم أن تمنعوا الله مني إذا أراد اهلاكي على افترائي عليه { هو أعلم بما تفيضون فيه } يقال: أفاض القوم فى الحديث إذا مضوا فيه، وحديث مستفيض أي شائع، من قولكم هذا سحر وافتراء، ثم قل لهم { كفى به } يعني بالله { شهيداً بيني وبينكم } يشهد للمحق منا والمبطل { وهو الغفور } لذنوب عباده { الرحيم } بكثرة نعمه عليهم. وفي ذلك حث لهم على المبادرة بالتوبة والرجوع إلى طريق الحق، ثم قال { قل } يا محمد صلى الله عليه وآله { ما كنت بدعاً من الرسل } فالبدع الاول فى الأمر يقال: هو بدع من قوم أبداع قال عدي بن زيد:
فلا أنا بدع من حوادث تعتري   رجالا عرت من بعد بؤس واسعد
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: معناه ما كنت بأول رسول بعث وقوله { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } قال الحسن: معناه لا أدري ما يأمرني الله تعالى فيكم من حرب او سلم او تعجيل عقابكم او تأخيره. وقال قل لهم { إن أتبع إلا ما يوحي إلي } أي لست اتبع فى أمركم من حرب او سلم او امر او نهي إلا ما يوحي الله إليّ ويأمرني به { وما أنا إلا نذير مبين } أي لست إلا مخوفاً من عقاب الله ومحذراً من معاصيه ومرغباً فى طاعاته.

السابقالتالي
2