الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ }

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهم يا محمد { الله يحييكم } فى دار الدنيا، لانه لا يقدر على الأحياء احد سواه تعالى لانه قادر لنفسه { ثم يميتكم } بعد هذا { ثم يجمعكم إلى يوم القيامة } بأن يبعثكم ويعيدكم أحياء، وإنما احتج بالاحياء فى دار الدنيا، لأن من قدر على فعل الحياة في وقت قدر عليها في كل وقت. ومن عجز عنها في وقت وتعذرت عليه مع كونه حياً ومع إرتفاع الموانع عجز عنها فى كل وقت. ثم بين أن يوم القيامة { لا ريب فيه } أي لا شك فى كونه { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ما قلناه لعدولهم عن النظر الموجب للعلم بصحة ذلك. ثم قال تعالى { ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم } أي وله الملك يوم تقوم { الساعة يخسر فيه المبطلون } ثواب الله. والمبطل هو من فعل الباطل وعدل عن الحق.

ثم اخبر تعالى عن حال يوم القيامة فقال { وترى كل أمة جاثية } فالامة الجماعة التي على مقصد، واشتقاقه من أمه يؤمه أماً إذا قصده، والأمم أمم الانبياء { جاثية } وقال مجاهد والضحاك وابن زيد: معناه باركة مستوفرة على ركبها والجثو البروك. والجثو البروك على طرف الاصابع، فهو ابلغ من الجثو.

وقوله { كل أمة تدعى إلى كتابها } قيل معناه إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها ويثبت فيه أعمالها. وقال بعضهم: كتابها الذي انزل على رسولها - حكي ذلك عن الجاحظ - والاول الوجه.

ثم حكى إنه يقال لهم { اليوم تجزون ما كنتم تعملون } من طاعة او معصية على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب. ثم قال تعالى { هذا كتابنا } يعني الذي أستنسخ { ينطق عليكم بالحق } جعل ثبوت ما فيه وظهوره بمنزلة النطق، وإنه ينطق بالحق دون الباطل. ثم قال تعالى { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } قال الحسن: نستنسخ ما حفظت عليكم الملائكة الحفظة. وقيل: الحفظة تستنسخ ما هو مدون عندها من أحوال بني آدم الجزائية فى قول ابن عباس - وروي عن علي عليه السلام أن الله ملائكة ينزلون فى كل يوم يكتبون فيه أعمال بني آدم، ومعنى نستنسخ نستكتب الحفظة ما يستحقونه من ثواب وعقاب ونلقي ما عداه مما أثبته الحفظة، لانهم يثبتون جميعه.

ثم قسم تعالى الخلق فقال { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي صدقوا بواحدانيته وصدقوا رسله وعملوا الاعمال الصاحات { فيدخلهم ربهم في رحمته } من الثواب والجنة. ثم بين ان { ذلك هو الفوز المبين } أي الفلاح الظاهر.