الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

قرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر { سواء } نصباً. الباقون بالرفع. وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { غشوة } على التوحيد الباقون { غشاوة } على الجمع. من رفع { سواء } جعله مبتدأ وما بعده خبراً عنه، ويكون الوقف على قوله { وعملوا الصالحات } تاماً. ويجعل الجملة فى موضع النصب، لأنها خبر لـ (جعل) ورفع (سواء) لانه اسم جنس لا يجري على ما قبله كما لا تجري الصفة المشبهة بالمشبهة إذا كانت لسبب الاول كذلك نحو قولك: مررت بزيد خير منه أبوه. فمثل هذا فى الحال والخبر والصفة سبيلة واحد إذا كانت لسبب الاول. ومن نصب { محياهم ومماتهم } جعل (سواء) فى موضع (مستو) وعامله تلك المعاملة، فجعل في موضع المفعول الثاني (أن نجعلهم) والهاء والميم المفعول الاول، وإن جعلت { كالذين آمنوا } المفعول الثاني نصب (سواء) على الحال وهو وقف حسن. ويرفع (محياهم) بمعنى استوى محياهم ومماتهم. ومن قرأ { غشوة } جعله كالرجفة والخطفة. ومن قرأ { غشاوة } جعله مصدراً مجهولا، والفعلة المرة الواحدة، وقال قوم هما لغتان بمعنى واحد. وحكي الضم ايضاً. وقيل: في الضمير في قوله { سواء محياهم ومماتهم } قولان:

احدهما - إنه ضمير للكفار دون الذين آمنوا.

والثاني - انه ضمير للقبيلين. فمن جعل الضمير للكفار قال (سواء) على هذا القول مرتفع بأنه خبر ابتداء متقدم وتقديره محياهم ومماتهم سواء أي محياهم محيا سواء ومماتهم كذلك، فعلى هذا لا يجوز النصب في (سواء) لانه إثبات الخبر بأن محياهم ومماتهم يستويان في الذم والبعد من رحمة الله. ومن قال الضمير يرجع إلى القبيلين قال يجوز ان ينتصب (سواء) على انه مفعول ثان لانه ملتبس بالقبيلين جميعاً، وليس كذلك الوجه الاول، لأنه للكفار دون المؤمنين، فلا يلتبس بالمؤمن حيث كان للكفار دونهم

يقول الله تعالى على وجه التوبيخ للكفار على معاصيهم بكفرهم بلفظ الاستفهام { أم حسب } ومعنى (أم) يحتمل ان تكون الهمزة وتقديره أحسب الذين اجترحوا السيئات، والحسبان هو الظن. وقد بيناه في ما مضى. والأجتراح الاكتساب اجترح السيئة اجتراحاً أي اكتسبها من الجراح، لأن له تأثيراً كتأثير الجراح. ومثله الاقتراف، وهو مشتق من قرف القرحة. والسيئة التي يسواء صاحبها، وهي الفعلة القبيحة التي يستحق بها الذم، والحسنة هي التي يسر صاحبها بأستحقاق المدح بها عليها، ووصفها بهذا يفيد هذا المعنى. وقال الرماني: القبيح ما ليس للقادر عليه ان يفعله. والحسن هو ما للقادر عليه أن يفعله قال: وكل فعل وقع لا لأمر من الأمور، فهو لغو لا ينسب إلى الحكمة ولا السفه. والجعل تصيير الشيء على صفة لم يكن عليها، وهو انقلاب الشيء عما كان قادراً عليه. والمعنى أيظن هؤلاء الكفار المرتكبون للمعاصي الذين اكتسبوا القبائح أن يحكم لهم بحكم المؤمنين المعترفين بتوحيد الله المصدقين لرسله العاملين بطاعته؟!.

السابقالتالي
2 3