الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } * { مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } * { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

سبع آيات كوفي وست في ما عداه، عدّ الكوفيون { ليقولون } ولم يعده الباقون.

اقسم الله تعالى أنه نجّى أي خلص بني اسرائيل الذين آمنوا بموسى من العذاب المهين الذي كان يفعله بهم فرعون وقومه لأنهم كانوا استعبدوهم، وكانوا يكلفونهم المشاق ويحملوهم القذارات ويكلفونهم كنسها وتنظيفها وغير ذلك، فخلصهم الله تعالى حين أهلك فرعون وقومه ووفقهم للايمان بموسى.

ثم اخبر تعالى ان فرعون كان عالياً من المسرفين أي متجبراً متكبراً من المسرفين في الأرض الذين يتجاوزون حد ما يجوز فعله إلى ما لا يجوز فعله استكباراً وعلواً وعتوّاً، يقال: اسرف يسرف اسرافاً فهو مسرف، ومثله الافراط، وضده الاقتار، وإنما وصف المسرف بأنه عال، وإن كان وصف عال قد يكون صفة مدح، لانه قيده بأنه عال في الاسراف، لان العالي في الاحسان ممدوح والعالي فى الاسراف مذموم، واطلاق صفة عال تعظيم، وإذا اطلق فالمدح به أولى.

ثم اخبر تعالى مقسماً بأنه اختارهم يعني موسى وقومه على علم على العالمين، فالاختيار هو اختيار الشيء على غيره بالارادة له لتفضيله عليه. ومثله الايثار، وليس فى مجرد الارادة تفضيل شيء على غيره، لانه قد يمكن أن يريد شيئاً من غير أن يخطر بباله ما هو فيه أولى منه فى العقل، فلا يكون اختياره تفضيلا. وإما ان يريد الأولى ولا يدري انه أولى، فيختاره عليه لجهله بأنه أولى او يختاره وهو يعلم انه غير أولى، ويختاره لحاجته اليه من جهة تعجل النفع به، ومن اختار الادون فى الصلاح على الأصلح كان منقوصاً مذموماً، لانه بمنزلة من اختار القبيح على الحسن.

وقيل: المعنى اخترناهم على عالمي زمانهم بدلالة قوله لأمة نبيناكنتم خير أمة أخرجت للناس } وذلك يوجب انه ما اختارهم على من هو خير منهم، وإنما اختارهم على من هو فى وقتهم من العالمين. وقال قتادة، ومجاهد: على عالمي زمانهم. وإنما قال { اخترناهم على علم على العالمين } بما جعل فيهم من الأنبياء الكثيرين، فهذه خاصة لهم ليست لغيرهم، لما فى العلوم من مصالح المكلفين بأنبيائهم.

ثم بين ما به اختارهم بأن قال { وآتيناهم } يعني أعطيناهم { من الآيات } يعني الدلالات والمعجزات { ما فيه بلاء مبين } قال الحسن: يعني ما فيه النعمة الظاهرة. قال الفراء: البلاء قد يكون بالعذاب، وقد يكون بالنعمة، وهو ما فعل الله بهم من إهلاك فرعون وقومه، وتخليصهم منه وإظهار نعمه عليهم شيئاً بعد شيء.

ثم اخبر تعالى عن كفار قوم نبينا صلى الله عليه وآله فقال { إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى } أي ليس هذا الا الموتة الاولى { وما نحن } أي لسنا بعدها بمبعوثين ولا معادين { بمنشرين } ويقولون { فأتوا بآبائنا } الذين ماتوا قبلنا واعيدوهم { إن كنتم صادقين } فى ان الله تعالى يقدر على اعادة الأموات واحيائهم لان من قدر على النشأة الثانية قدر على اعادة الآباء، وهذا باطل لان النشأة الثانية انما وجبت للجزاء لا للتكليف، فلا تلزم اعادة الآباء ولا تجب.