الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } * { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قيل فى معنى قوله { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } اقوال:

احدها - فانا أول الآنفين من عبادته، لأن من كان له ولد لا يكون إلا جسماً محدثاً ومن كان كذلك لا يستحق العبادة، لأنه لا يقدر على النعم التي يستحق بها العبادة تقول: العرب عبدت فصمت قال الفرزدق:
واعبد ان يهجى كليب بدارم   
وقال آخر:
ألا هذيت أم الوليد واصبحت   لما أبصرت في الرأس مني تعبد
الثاني - ما قاله ابن زيد وابن أسلم وقتادة: إن (ان) بمعنى (ما) وتقديره ما كان للرحمن ولد فأنا اول العابدين لله.

الثالث - هو انه لو كان له ولد لعبدته على ذلك كما تقول لو دعت الحكمة إلى عبادة غير الله لعبدته لكنها لا تدعوا إلى عبادة غيره، وكما تقول: لو دل الدليل على أن له ولداً لقلت به، لكنه لا يدل، فهذا تحقيق نفي الولد لانه تعليق محال بمحال.

الرابع - قال السدي: لو كان له ولد لكنت اول من عبده بأن له ولداً، لكن لا ولد. وهذا قريب من الوجه (الثالث).

الخامس - إن كان لله ولد على قولكم، فأنا أول من وحده وعبده على ان لا ولد له - ذهب اليه مجاهد - وإنما لم يجز على الله تعالى الولد لانه لا يخلو من ان يضاف اليه الولد حقيقة او مجازاً، وحقيقته أن يكون مخلوقاً من مائه او مولوداً على فراشه، وذلك مستحيل عليه تعالى. ومجازه أن يضاف اليه على وجه التبني وإنما يجوز فيمن يجوز عليه حقيقته، ألا ترى انه لا يقال تبنى شاب شيخاً لما لم يمكن أن يكون له ولد حقيقة، وانما جاز ان يضاف إلى شيخ شاب على انه تبناه لما كان حقيقته مقدورة فيه، وكذلك لا يقال تبنى انسان بهيمة لما كان يستحيل أن يكون مخلوقاً من مائه او على فراشه، فلما استحال حقيقته على الله تعالى استحال عليه مجازه ايضاً. وإنما جاز أن يقال روح الله، ولم يجز ان يقال ولد الله لأن روح الله بمعنى ملك الله للروح، وإنما اضيف اليه تشريفاً. وإن كانت الارواح كلها لله بمعنى انه مالك لها. ولا يعرف مثل ذلك فى الولد. ثم نزه نفسه تعالى عن اتخاذ الولد فقال { سبحان رب السماوات والأرض } يعني الذي خلقهن { رب العرش } أي خالقه ومدبره { عما يصفون } من اتخاذ الولد، لأن من قدر على خلق ذلك وإنشائه مستغن عن اتخاذ الولد.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله على وجه التهديد للكفار { فذرهم } أي اتركهم { يخوضوا } فى الباطل { ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون } بمعنى يوعدون فيه بالعذاب الأبدي.

السابقالتالي
2