الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ }

الضمير في قوله { وإنه لعلم للساعة } يحتمل أن يكون راجعاً إلى عيسى عليه السلام لأن ظهوره يعلم به مجيء الساعة، لانه من أشراطها، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد. وقيل: إنه اذا نزل المسيح رفع التكليف لئلا يكون رسولا الى اهل ذلك الزمان في ما يأمرهم به عن الله وينهاهم عنه. وقيل: انه عليه السلام يعود غير مكلف فى دولة المهدي وإن كان التكليف باقياً على اهل ذلك الزمان. وقال قوم: إن الضمير يعود الى القرآن يعلمكم بقيامها ويخبركم عنها وعن احوالها. وهو قول الحسن، والفائدة بالعلم بالساعة انه يجب التأهب لها من اجل انها تقوم للجزاء لا محالة، وفى الشك فيها فتور فى العمل لها، ويجب لأجلها اجتناب القبائح التي يستحق بها الذم والعقاب واجتناء المحاسن التي يستحق بها المدح والثواب. وروي عن ابن عباس شاذاً أنه من - العلم - بفتح العين واللام بمعنى انه علامة ودلالة على الساعة وقربها.

ثم خاطب الأمة فقال { فلا تمترن بها } أي لا تشكن فيها. والمرية الشك ويدل على ان المراد به جميع الامة قوله { وأتبعوني هذا صراط مستقيم } أي ما أخبرتكم به من البعث والنشور والثواب والعقاب { صراط مستقيم } ثم نهاهم فقال { ولا يصدّنكم الشيطان } أي لا يمنعكم الشيطان عن اتباع الطريق المستقيم الذي بيّنه الذي يفضي بكم إلى الجنة، ولا يعدل بكم إلى الطريق المؤدي إلى النار { إنه لكم عدو مبين } فالعداوة طلب المكروه والمكيدة والايقاع فى كل مهلكة من أجل العداوة التي فى هلاك صاحبها شفاء لما فى صدره منها.

ثم اخبر تعالى عن حال عيسى عليه السلام حين بعثه الله نبياً فقال { ولما جاء عيسى بالبينات } يعني بالمعجزات. قال قتادة يعني بالانجيل { قال } لهم { قد جئتكم بالحكمة } أي بالذي من عمل به من العباد نجا ومن خالفه هلك. وقوله تعالى { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه }. قال مجاهد: يعني من احكام التوراة وقال قوم: تقديره قد جئتكم بالانجيل، وبالبينات التي يعجز عنها الخلق. والذي جاء به عيسى هو بعض ما اختلفوا فيه، وبين لهم فيه. وقال قوم: البعض يراد به - ها هنا - الكل كأنه قال: ولأبين لكم جميع ما تختلفون فيه. وقيل أراد به من أمر دينكم دون أمر دنياكم. والاختلاف اصل كل عداوة. والوفاق أصل كل ولاية لأن الخلاف يوجب البغضة، ثم يقوى بالكثرة حتى يصير عداوة، ثم قال لهم يعني عيسى عليه السلام { فاتقوا الله } بأن تجتنبوا معاصيه وتفعلوا طاعاته { وأطيعون } في ما أدعوكم اليه من العمل بطاعة الله. ثم قال لهم ايضاً { إن الله } الذي تحق له العبادة { هو ربي وربكم فاعبدوه } خالصاً ولا تشركوا به معبوداً آخر. ثم قال { هذا صراط مستقيم } يفضي بكم إلى الجنة وثواب الله.

وقوله { فاختلف الأحزاب من بينهم } قال السدي يعني اليهود والنصارى. وقال قتادة: يعني الفرق الذين تحزبوا فى أمر عيسى عليه السلام فقال الله تعالى { فويل للذين ظلموا } نفوسهم بارتكاب معاصي الله { من عذاب يوم أليم } وهو يوم القيامة.