الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قرأ حمزة والكسائي وابو عمرو وحفص عن عاصم { جاءنا } بالتوحيد. الباقون { جاءانا } على التثنية. من قرأ على التثنية أراد الكافر وقرينه من الشياطين كقولهوإذا النفوس زوجت } أي قرنت بنظيرها. ومن أفرد قال: لأن الكافر هو الذي أفرد بالخطاب فى الدنيا وأقيمت عليه الحجة بانفاذ الرسول اليه فاجتزى بالواحد عن الاثنين، كما قاللينبذن في الحطمة } والمراد لينبذان يعني هو وما له. وقرأ يعقوب والعليمي { يقيض } بالياء على لفظ الخبر عن الغائب. الباقون بالنون على وجه الخبر عن الله تعالى.

يقول الله تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن } أي يعرض عن ذكر الله لا ظلامه عليه لجهله، يقال: عشا يعشو عشواً وعشوّاً إذا ضعف بصره وأظلمت عينه كأنه عليها غشاوة قال الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره   تجد حطباً جزلا وناراً تأججا
واذا ذهب بصره قيل: عشى يعشى عشاء، ومنه رجل أعشى وامرأة عشواء، فعشى يعشى مثل عمي يعمى، وعشا يعشو إذا نظر نظراً ضعيفاً. وقرىء { من يعش } بفتح الشين. ومعناه يعمى يقال: عشا إلى النار إذا تنورها فقصدها وعشى عنها إذا أعرض قاصداً لغيرها كقولهم مال اليه ومال عنه. وقيل: معناه بالعين من يعرض عن ذكره. وقوله { نقيض له شيطاناً } قيل فى معناه ثلاثة أقوال:

احدها - قال الحسن: نخلي بينه وبين الشيطان الذي يغويه ويدعوه إلى الضلالة فلا نمنعه منه.

الثاني - وقيل: نجعل له شيطاناً قريناً، يقال قيض له كذا وكذا أي سهل ويسر.

الثالث - قال قتادة: نقيض له شيطاناً فى الآخرة يلزمه حتى يصير به إلى النار فحينئذ يتمنى البعد عنه. وأما المؤمن فيوكل به ملك فلا يفارقه حتى يصير به الى الجنة. وإنما جاز ان يقيض له الشيطان إذا أعرض عن ذكر الله حتى يغويه لأنه اذا كان ممن لا يفلح فلو لم يغوه الشيطان لفعل من قبل نفسه مثل ذلك كالفساد الذي يفعله باغواء الشيطان او أعظم منه فلم يمنع لطفاً، وقيض له الشيطان عقاباً. وفى ذلك غاية التحذير عن الاعراض عن حجج الله وآياته.

ثم قال تعالى { وإنهم } يعني الشياطين { ليصدونهم } يعني الكفار { عن السبيل } يعني عن سبيل الحق الذي هو الاسلام { ويحسبون أنهم مهتدون } إلى طريق الحق. وقوله { حتى إذا جاءانا } على التثنية أراد حتى اذا جاء الشيطان ومن أغواه يوم القيامة إلى الموضع الذي يتولى الله حساب الخلق فيه وجزاءهم. ومن قرأ على التوحيد فالمراد حتى اذا جاء الكافر وعلم ما يستحقه من العقاب ضرورة قال ذلك الوقت لقربه { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين } قيل فى معناه قولان:

احدهما - أنه عنى المشرق والمغرب الا انه غلب احدهما، كما قيل سنة العمرين وقال الشاعر:

السابقالتالي
2