الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

قرأ ابن كثير وابو عمرو { سقفاً } على التوحيد - بفتح السين - الباقون { سقفاً } بضم السين والقاف - على الجمع - وقرأ حمزة والكسائي { لما متاع الحياة الدنيا } مشددة الميم. الباقون خفيفة. من شدد الميم جعل (لما) بمعنى (إلا) ومن خفف جعل (ما) صلة إلا ابن عامر فانه خفف وشدد. قال ابو علي: من خفف جعل (إن) المخففة من الثقيلة وأدخل اللام للفصل بين النفي والايجاب، كقولهوإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } ومن نصب بها مخففة، فقال إن زيداً منطلق استغنى عن اللام، لأن النافية لا ينتصب بعدها الاسم، و (ما) زائدة. والمعنى: وإن كل ذلك لمتاع الحياة.

حكى الله عن هؤلاء الكفار الذين حكى عنهم أنهم قالوا لما جاءهم الحق الذي هو القرآن { لولا نزل } إن كان حقاً { على رجل من القريتين عظيم } يعني بالقريتين مكة والطائف، ويعنون بالرجل العظيم من احد القريتين - فى قول ابن عباس - الوليد ابن المغيرة المخزومي القرشي من أهل مكة، أو حبيب بن عمرو ابن عمير من الطائف، وهو الثقفي. وقال مجاهد: يعني بالذي من أهل مكة عقبة بن ربيعة، والذي من اهل الطائف ابن عبد باليل. وقال قتادة: الذى من أهل مكة يريدون الوليد ابن المغيرة، والذى من اهل الطائف عروة بن مسعود الثقفي. وقال السدى: الذى من أهل الطائف كنانة بن عمرو. وإنما قالوا ذلك لأن الرجلين كانا عظيمي قومهما، وذوى الأموال الجسيمة فيهما، فدخلت الشبهة عليهم فاعتقدوا أن من كان كذلك كان أولى بالنبوة. وهذا غلط لان الله تعالى يقسم الرحمة بالنبوة كما يقسم الرزق في المعيشة على حسب ما يعلم من مصالح عباده فليس لأحد ان يتحكم في شيء من ذلك. فقال تعالى على وجه الانكار عليهم والتهجين لقولهم { أهم يقسمون رحمة ربك } أى ليس لهم ذلك بل ذلك اليه تعالى.

ثم قال تعالى { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً } وقيل: الوجه في إختلاف الرزق بين الخلق في الضيق والسعة زيادة على ما فيه من المصلحة إن في ذلك تسخير بعض العباد لبعض باحواجهم اليهم، لما فى ذلك من الأحوال التي تدعو إلى طلب الرّفعة وارتباط النعمة ولما فيه من الاعتبار بحال الغنى والحاجة، وما فيه من صحة التكليف على المثوبة.

ثم قال تعالى { ورحمة ربك خير مما يجمعون } يعني رحمة الله ونعمه من الثواب في الجنة خير مما يجمعه هؤلاء الكفار من حطام الدنيا.

ثم اخبر تعالى عن هوان الدنيا عليه وقلة مقدارها عنده بأن قال { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } أي لولا انهم يصيرون كلهم كفاراً { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون } استحقاراً للدنيا وقلة مقدارها ولكن لا يفعل ذلك، لانه يكون مفسدة.

السابقالتالي
2