الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ }

خمس آيات في الكوفى وأربع فى ما سواه، عدّ الكوفيون { حم } ولم يعده الباقون.

قرأ نافع وحمزة والكسائي وخلف " ان كنتم " بكسر الهمزة جعلوه شرطاً مستأنفاً واستغنى عما تقدم، كقولك: انت عالم ان فعلت، فكانه قال: ان كنتم قوماً مسرفين نضرب. الباقون بفتحها جعلوه فعلا ماضياً أي اذا كنتم، كما قالأن جاءه الأعمى } والمعنى اذ جاءه الاعمى، فموضع (ان) نصب عند البصريين، وجر عند الكسائي، لان التقدير افنضرب الذكر صفحاً لأن كنتم، وبأن كنتم قوماً مسرفين. والمسرف الذي ينفق ماله فى معصية الله، ولا اسراف فى الطاعة.

قد بينا معنى { حم } فى ما مضى، واختلاف المفسرين فيه، فلا معنى لاعادته

وقوله { والكتاب } خفض بالقسم. وقيل: تقديره ورب الكتاب، والمراد بالكتاب القرآن، والمبين صفة له. وانما وصف بذلك لانه أبان عن طريق الهدى من الضلالة، وكل ما تحتاج اليه الأمّة فى الديانة. والبيان هو الدليل الدال على صحة الشيء وفساده. وقيل: هو ما يظهر به المعنى للنفس عند الادراك بالبصر والسمع، وهو على خمسة أوجه: باللفظ، والحظ، والعقد بالاصابع، والاشارة اليه، والهيئة الظاهرة للحاسة، كالاعراض عن الشيء، والاقبال عليه، والتقطيب وضده وغير ذلك. واما ما يوجد فى النفس من العلم، فلا يسمى بياناً على الحقيقة وكل ما هو بمنزلة الناطق بالمعنى المفهوم فهو مبين.

وقوله { إنا جعلناه قرآناً عربياً } اخبار منه تعالى انه جعل القرآن الذي ذكره عربياً بأن يفعله على طريقة العرب فى مذاهبها في الحروف والمفهوم. ومع ذلك فانه لا يتمكن أحد منهم من انشاء مثله والاتيان بما يقاربه في علو طبقته في البلاغة والفصاحة، اما لعدم علمهم بذلك أو صرفهم على حسب اختلاف الناس فيه. وهذا يدل على جلالة موقع التسمية في التمكن به والتعذر مع فقده. وفيه دلالة على حدوثه لان المجعول هو المحدث. ولان ما يكون عربياً لا يكون قديماً لحدوث العربية. فان قيل: معنى جعلناه سميناه لأن الجعل قد يكون بمعنى التسمية. قلنا: لا يجوز ذلك - ها هنا - لأنه لو كان كذلك لكان الواحد منا اذا سماه عربياً فقد جعله عربياً، وكان يجب لو كان القرآن على ما هو عليه وسماه الله اعجمياً أن يكون اعجمياً او كان يكون بلغة العجم وسماه عربياً ان يكون عربياً، وكل ذلك فاسد.

وقوله { لعلكم تعقلون } معناه جعلناه على هذه الصفة لكي تعقلوا وتفكروا في ذلك فتعلموا صدق من ظهر على يده.

وقوله { وإنه } يعني القرآن { في أم الكتاب لدنيا } يعنى اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه ما يكون إلى يوم القيامة لما فيه من مصلحة ملائكته بالنظر فيه وللخلق فيه من اللطف بالاخبار عنه { وأم الكتاب } أصله لأن أصل كل شيء أمه.

السابقالتالي
2