الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

قرأ نافع وابن عامر في رواية الداحوني عن صاحبه { أو يرسل.. فيوحي } بالرفع على تقدير او هو يرسل فيوحى ويكون المعنى يراد به الحال بتقدير إلا موحياً او مرسلا وذلك كلامه اياهم. الباقون بالنصب ويرسل فيوحي على تأويل المصدر، كأنه قال إلا ان يوحي او يرسل. ومعنى (او) في قوله { أو يرسل رسولا } يحتمل وجهين:

احدهما - العطف، فيكون ارسال الرسول احد اقسام بكلام كما يقال عتابك السيف كانه قيل الا وحياً او ارسالا.

الثاني - ان يكون (الا ان) كقولك لألزمنك او تعطيني حقي، فلا يكون الارسال في هذا الوجه كلاماً. ولا يجوز ان يكون { أو يرسل } فيمن نصب عطفاً على قوله { أن يكلمه الله } لأنك لو حملته على ذلك لكان المعنى وما كان لبشر أن يكلمه الله او ان يرسل رسولا، ولم يخل قولك { أو يرسل رسولا } من ان يكون المراد به او يرسله رسولا او يكون المراد او يرسل اليه رسولا، والتقديران جميعاً فاسدان، لانا نعلم أن كثيراً من البشر قد ارسل رسولا، وكثيراً منهم ارسل اليه رسولا، فاذا بطل ذلك صح ما قدرناه اولا، ويكون التقدير ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي وحياً او يرسل رسولا، فيوحي، ويجوز في قوله { إلا وحياً } أمران:

احدهما - ان يكون استثناء منقطعاً.

والآخر - ان يكون حالا، فان قدرته استثناء منقطعاً لم يكن فى الكلام شيء توصل به (من) لأن ما قبل الاستثناء لا يعمل في ما بعده، لأن حرف الاستثناء فى معنى حرف النفي، ألا ترى أنك إذا قلت: قام القوم إلا زيداً، فالمعنى قام القوم لا زيد. فكما لا يعمل ما قبل حرف النفي في - ما بعده كذلك لا يعمل ما قبل الاستثناء - إذا كان كلاماً تاماً - في ما بعده إذ كان بمعنى النفي، وكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد (إلا) في ما قبلها، فاذا كان كذلك لم يتصل الجار بما قبل (إلا) ويمتنع أن يتصل به الجار من وجه آخر، وهو ان قوله { أو من وراء حجاب } من صلة (يوحي) الذي هو بمعنى (أن يوحي) فاذا كان كذلك لم يجز ان يحمل الجار الذي هو فى قوله { من وراء حجاب } على (أو يرسل) لانك تفصل بين الصلة والموصول بما ليس منهما. ألا ترى أن المعطوف على الصلة من الصلة إذا حملت العطف على ما ليس في الصلة فصلت بين الصلة والموصول بالاجنبي الذي ليس منها، فاذا لم يجز حمله على { يكلمه } في قوله { ما كان لبشر أن يكلمه الله } ولم يكن بدّ من ان يعلق الجار بشيء، ولم يكن في اللفظ شيء يحمل عليه أضمرت (بما يكلم) وجعلت الجار فى قوله { أو من وراء حجاب } متعلقاً بفعل مراد فى الصلة محذوف حذفاً للدلالة عليه، ويكون في المعنى معطوفاً على الفعل المقدر صلة، لأن الموصول يوحي، فيكون التقدير: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى اليه، او يكلمه من وراء حجاب، فحذف (يكلم) من الصلة، لان ذكره قد جرى وإن كان خارجاً من الصلة، فحسن لذلك حذفه من الصلة.

السابقالتالي
2 3