الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } * { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } * { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ } * { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } * { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

لما اخبر الله تعالى أن الظالمين انفسهم بارتكاب المعاصي وترك الواجبات فى عذاب مقيم دائم غير منقطع، اخبر في الآية التي بعدها انهم لم يكن لهم أولياء فى ما عبدوه من دون الله، ولا فيمن أطاعوه في معصية الله، أي انصار ينصرونهم من دون الله ويرفعون عنهم عقابه. وقيل: المراد من يعبدونه من دون الله او يطيعونه في معصية الله لا ينفعهم يوم القيامة. فالفائدة بذلك اليأس من أي فرج إلا من قبل الله، فلهذا من كان هلاكه بكفره لم يكن له ناصر يمنع منه.

ثم قال { ومن يضلل الله } أي من أضله الله عن طريق الجنة وعدل به إلى النار { فما له من سبيل } يوصله إلى الجنة والثواب. ويحتمل ان يكون المراد ومن يحكم الله بضلاله ويسميه ضالا لم يكن لأحد سبيل إلى ان يحكم بهدايته. ثم قال تعالى لخلقه { استجيبوا لربكم } يعني اجيبوه إلى ما دعاكم اليه ورغبكم فيه من المصير إلى طاعته والانقياد لأمره { من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ } أي لا مرجع له بعد ما حكم به. وقيل معناه لا يتهيأ لاحد رده ولا يكون لكم ملجأ تلجؤن اليه في ذلك اليوم. والملجأ والمحرز نظائر { وما لكم من نكير } أى تعيير انكار. وقيل: معناه من نصير ينكر ما يحل بكم ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { فإن أعرضوا } يعني هؤلاء الكفار وعدلوا عما دعوناهم اليه ولا يستجيبون اليه { فما أرسلناك عليهم حفيظاً } أي حافظاً تمنعهم من الكفر { إن عليك } أي ليس عليك { إلا البلاغ } وهو ايصال المعنى إلى افهامهم وتبين لهم ما فيه رشدهم، فالذي يلزم الرسول دعاؤهم إلى الحق، ولا يلزمه ان يحفظهم من اعتقاد خلاف الحق. ثم اخبر تعالى عن حال الانسان وسرعة تنقله من حال الى حال فقال { وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة } واوصلنا اليه نعمة { فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم } أي عقوبة جزاء بما قدمته ايديهم من المعاصى { فإن الإنسان كفور } يعدد المصائب ويجحد النعم وقوله { لله ملك السماوات والأرض } ومعناه له التصرف في السموات والارض وما بينهما وسياستهما بما تقتضيه الحكمة حسب ما يشاء { ويخلق ما يشاء } من انواع الخلق { يهب لمن يشاء } من خلقه { إناثاً } يعني البنات بلا ذكور { ويهب لمن يشاء } من خلقه { الذكور } بلا اناث { أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } قال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والسدي: معناه ان يكون حمل المرأة مرة ذكراً ومرة انثى ويحتمل ان يكون المراد ان يرزقه. تواماً ذكراً وانثى او ذكراً وذكراً. وانثى وانثى وهو قول ابن زيد { ويجعل من يشاء عقيماً } فالعقيم من الحيوان الذي لا يكون له ولد ويكون قد عقم فرجه عن الولادة بمعنى منع { إنه عليم } بمصالحهم { قدير } أي قادر على خلق ما اراد من ذلك.