الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } * { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ }

خمس آيات كوفي وأربع في ما عداه عدّ الكوفيون { كالأعلام } ولم يعد، الباقون.

قرأ ابو عمرو، ونافع { الجواري في البحر } بياء في الوصل، ووقف/ ابن كثير بياء ايضاً. الباقون بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ نافع وابو جعفر وابن عامر { ويعلم الذين } رفعاً على الاستئناف، لان الشرط والجزاء قد تم، فجاز الابتداء بما بعده. الباقون بالنصب. فمن نصبه فعلى الصرف، كما قال النابغة:
فان يهلك ابو قابوس يهلك   ربيع الناس والبلد الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش   اجب الظهر ليس له سنام
قال الكوفيون: هو مصروف من مجزوم إلى منصوب، وقال البصريون: هو نصب بأضمار (أن) وتقديره ان يعلم، كما قال الشاعر:
ولبس عباءة وتقر عيني   احب إليّ من لبس الشفوف
وتقديره وأن تقر عيني، قال ابو علي: ومن نصب { ويعلم } فلان قبله شرط وجزاء، وكل واحد منهما غير واجب، تقول فى الشرط إن تأتني وتعطيني اكرمك فينصب وتعطيني، وتقديره إن يكون منك اتيان وإعطاء أكرمك، والنصب بعد الشرط إذا عطفته بالفاء أمثل من النصب بالفاء بعد جزاء الشرط فأما العطف على الشرط نحو إن تأتني وتكرمني اكرمك، فالذي يختار سيبويه فى العطف على الشرط نحو إن تأتني وتكرمني الجزم، فيختار { ويعلم الذين } إذا لم يقطعه عن الأول فيرفعه، وإن عطف على جزاء الشرط، فالنصب أمثل. ومن اثبت الياء فى الحالين فى قوله { الجواري } فلأنها الأصل، لكن خالف المصحف، ومن اثبتها وصلا دون الوقف استعمل الاصل وتبع المصحف، ومن حذفها في الحالين يتبع المصحف، واجتزأ بالكسوة الدالة على الياء. وواحد الجواري جارية، وهي السفينة، وحكي عن ابن مسعود انه قرأ بضم الراء كأنه قلب، كما قالوا (شاك) فى (شائك) فأراد الجوائر فقلب.

قوله { وما أنتم بمعجزين في الأرض } خطاب من الله تعالى للكفار بأنكم لستم تفوتون الله بالهرب منه في الارض ولا في السماء، فانه يقدر عليكم في جميع الأماكن ولا يمكن النجاة من عذابه إلا بطاعته، فواجب عليكم طاعته، ففي ذلك استدعاء إلى عبادة الله وترغيب فى كل ما أمر به وتحذير عما نهى عنه. ووجه الحجة بذلك على العبد انه إذا كان لا يعجز الله، ولا يجد دافعاً عن عقابه خف عليه عمل كل شيء فى جنب ما توعد به.

وقوله { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } اي ليس لكم من يدفع عنكم عقاب الله إذا اراد فعله بكم ولا ينصركم عليه، فيجب أن ترجعوا إلى طاعة من هذه صفته.

وقوله { ومن آياته الجواري في البحر كالأعلام } معناه من آياته الدالة على انه تعالى مختص بصفات لا يشركه فيها احد، السفن الجارية فى البحر مثل الجبال، لأنه تعالى يسيرها بالريح لا يقدر على تسييرها غيره، ووجه الدلالة فى السفن الجارية هو ان الله خلق الماء العظيم وعدل الريح بما يمكن أن يجري فيه على حسب المراد لأنه إذا هبت الريح فى جهة وسارت بها السفينة فيها، فلو اجتمعت الخلائق على صرفها إلى جهة أخرى لما قدروا، وكذلك لو سكنت الريح لوقفت.

السابقالتالي
2