الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } * { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

لما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله قل لهم الذي وصفته بأنه الذي يحيي ويميت هو ربي واليه ارجع فى أموري كلها، زاد فى صفاته تعالى { فاطر السماوات والأرض } أي هو فاطر السموات، ومعنى فاطر خالق السموات ابتداء. وحكي عن ابن عباس انه قال لم اكن أعرف معنى (فاطر) حتى تحاكم إلى اعرابيان في بئر فقال احدهما انا فطرته بمعنى أنا ابتدأته، والفطر ايضاً الشق. ومنه قوله تعالى { تكاد السماوات يتفطرن منه } وقوله { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } يعني اشكالا مع كل ذكر أنثى يسكن اليها ويألفها. ومن الأنعام أزواجاً من الضان اثنين ومن المعز اثنين ومن البقر اثنين ومن الأبل اثنين، ذكوراً وإناثاً ووجه الاعتبار بجعل الأزواج ما في ذلك من إنشاء الشيء حالا بعد حال على وجه التصريف الذي يقتضي الاختيار، وجعل الخير له أسباب تطلب كما للشر أسباب تجتنب، فجعل لكل حيوان زوجاً من شكله على ما تقتضيه الحكمة فيه.

وقوله { يذرؤكم فيه } أي يخلقكم ويكثركم فيه يعني فى التزويج وفي ما حكم فيه. وقال الزجاج والفراء: معناه يذرؤكم به أي بما جعل لكم أزواجاً وانشد الازهري قول الشاعر يصف امرأة:
وارغب فيها عن لقيط ورهطه   ولكنني عن سنبس لست ارغب
أي ارغب بها عن لقيط. فالذرء إظهار الشيء بايجاده يقال: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءاً واصله الظهور، ومنه ملح ذرآني لظهور بياضه. والذرية لظهورها ممن هي منه. وقوله { ليس كمثله شيء } قيل فى معناه ثلاثة اقوال:

احدها - إن الكاف زائدة وتقديره ليس مثل الله شيء من الموجودات ولا المعدومات كما قال أوس بن حجر:
وقتلى كمثل جذوع النخيل   يغشاهم سيل منهر
وقال آخر:
سعد بن زيد إذا ابصرت فضلهم   ما إن كمثلهم فى الناس من احد
وقال الراجز:
وصاليات ككما توثقين   
الثاني - قال الرماني: إنه بلغ في نفي الشبيه إذا نفى مثله، لانه يوجب نفي الشبهة على التحقيق والتقدير، وذلك انه لو قدر له مثل لم يكن له مثل صفاته ولبطل ان يكون له مثل ولنفرده بتلك الصفات، وبطل ان يكون مثلا له فيجب أن يكون من له مثل هذه الصفات على الحقيقة لا مثل له أصلا إذ لو كان له مثل لم يكن هو بصفاته وكان ذلك الشيء الآخر هو الذي له تلك الصفات، لانها لا تصح إلا لواحد فى الحقيقة وهذا لا يجوز أن يشبه بشبه حقيقة، ولا بلاغة فوجب التبعيد من الشبه لبطلان شبه الحقيقة.

الثالث - وجه كان المرتضى علي بن الحسين الموسوي (رحمة الله عليه) جارانا فيه فاتفق لي بالخاطر وجه قلته فاستحسنه واستجاده، وهو ان لا تكون الكاف زائدة ويكون المعنى انه نفى ان يكون لمثله مثل وإذا ثبت انه لا مثل لمثله فلا مثل له ايضاً.

السابقالتالي
2 3