الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله { وإما ينزغنك } اصله (إن) التي للشرط وزيد عليها (ما) تأكيداً فاشبه ذلك القسم، فلذلك دخلت نون التأكيد في قوله { ينزغنك } كما تقول: والله ليخرجن. والنزغ النخس بما يدعوا إلى الفساد ومنه قولهمن بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } فنزغ الشيطان وسوسته ودعاؤه إلى معصية الله بايقاع العداوة بين من يجب موالاته، يقال نزغ ينزغ نزغاً فهو نازغ بين رجلين. وفلان ينزغ فلاناً كأنه ينخسه بما يدعوه إلى خلاف الصواب. والمعنى وإن ما يدعوك إلى المعاصي نزغ من الشيطان بالاغواء والوسوسة { فاستعذ بالله } ومعناه اطلب الاعتصام من شره من جهة الله واحذر منه وامتنع من جهته بقوة الله، فنحن نستعيذ بالله من شر كل شيطان وشر كل ذي شر من انس وجان.

وقوله { إنه هو السميع العليم } يعني انه سميع لأقوالكم من الاستعاذة وغيرها عليم بضمائركم قادر على إجابة دعائكم وقوله { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر } معناه ومن أدلته وحججه الباهرة الدالة على توحيده وصفاته التي باين بها خلقه الليل بذهاب الشمس عن بسيط الأرض والنهار بطلوعها على وجهها بالمقادير التي أجريا عليه ورتبا فيه بما يقتضي تدبير عالم بهما قادر على تصريفهما، لأن ذلك لا يقدر عليه غير الله. والشمس والقمر وجه الدلالة فيهما أن الأجرام الثقيلة لا تقف بغير عمد ولا تتصرف على غير قرار ولا عماد إلا أن يصرفهما قادر ليس كالقادرين من الاجسام التي تحتاج فى نقلها وتمسكها إلى غيرها، وكل جسم ثقيل يصرف من غير عماد فمصرفه هو الله تعالى. والأفعال الدالة على الله تعالى على وجهين:

احدهما - ما لا يقدر عليه إلا هو كخلق الحياة والقدرة والأجسام وغير ذلك

والآخر - أنه إذا وقع على وجه مخصوص لا يتأتى من القادر بقدرة وإن كان جنسه مقدوراً للعباد كتسكين الأرض من غير عمد وتصرف الشمس والقمر بكونها مرة صاعدة ومرة هابطة ومرة طالعة ومرة غاربة مع ثقل أجرامهما وبعدهما من عماد لها اعظم دلالة على ان لهما مصرفاً ومدبراً لا يشبههما ولا يشبهه شيء. قال تعالى { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر } كما يفعل قوم من المجوس بل { واسجدوا لله الذي خلقهن } وانشاهن. وإنما قال { خلقهن } لانه أجري مجرى جمع التكسير، ولم يغلب المذكر على المونث، لانه في ما لا يعقل. وقال الزجاج: تقديره الذي خلق هذه الآيات { إن كنتم إياه تعبدون } أي ان كنتم تقصدون بعبادتكم الله فوجهوا العبادة اليه دون الشمس والقمر. ثم قال { فإن استكبروا } يعني هؤلاء الكفار أي تكبروا عن توجيه العبادة إلى الله وابوا إلا عبادة الاصنام { فالذين عند ربك } يعني من الملائكة { يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون } أي لا يفترون من عبادته ولا يملونه.

السابقالتالي
2