الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } * { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } * { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } * { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

لما حكى الله تعالى أن الملائكة تتنزل على المؤمنين المستقيمين على طاعة الله التاركين لمعصيته وتبشرهم بالجنة وتؤمنهم من عقاب الله. ذكر ايضاً انهم يقولون لهم مع ذلك { نحن أولياؤكم } وهو جمع ولي أي انصاركم واحباؤكم فى الحياة الدنيا وأولياؤكم أيضاً في الآخرة، ففي ذلك البشارة للمؤمنين بمودة الملائكة لهم وفي الآية بشارة لهم بنيل مشتهاهم فى الجنة. وتفيد الآية وجوب اعتقاد تودد الملائكة إلى من كان مستقيماً على طاعاته. وفيها حجة على شرف الاستقامة بالطاعة على كل ما عداه من أعمال العباد يتولى الملائكة لصاحبه من اجله.

وقوله { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } يعني ما تشتهونه وتتمنونه من المنافع والملاذ حاصلة لكم { ولكم فيها ما تدعون } أي ما تستدعونه. وقيل: معناه ما تدعي انه لك فهو لك بحكم الله لك بذلك. وقوله { نزلا من غفور رحيم } تقديره انزلكم ربكم في ما تشتهون من النعمة نزلا. فيكون نصباً على المصدر. ويجوز ان يكون نصباً على الحال، وتقديره: لكم فيها ما تشتهي انفسكم منزلا كما تقول: جاء زيد مشياً تريد ماشياً. وقال الحسن { نزلا من غفور رحيم } ليس مناً. وقيل: معناه إن هذا الموعود به مع جلالته فى نفسه له جلالة لمعطيه بعد ان غفر الذنب حتى صار بمنزلة ما لم يكن رحمة منه لعباده فهو أهنأ لك واكمل للسرور به.

وقوله { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين } صورته صورة الاستفهام، ونصب " قولا " على التفسير، ومعناه النفي وتقديره وليس أحد أحسن قولا ممن دعا إلى طاعة الله واضاف إلى ذلك أن يعمل الأعمال الصالحات، ويقول مع ذلك إنني من المسلمين الذين استسلموا لامر الله وانقادوا إلى طاعته. وقيل: المعني بالآية النبي صلى الله عليه وآله لأنه الداعي إلى الله. وروي أنها نزلت فى المؤذنين. وفى الآية دلالة على من يقول: أنا مسلم إن شاء الله من أصحاب عبد الله بن مسعود، لأنه لا أحد احسن قوله منه، فيجب عليه أن يقول: إني مسلم ويقطع في الحكم إذا لم يكن فاسقاً.

ثم قال { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } أي لا يتماثلان، ودخلت (لا) في { ولا السيئة } تأكيداً. وقيل: دخلت لتحقيق انه لا يساوي ذا ذاك، ولا ذاك ذا، فهو تبعيد المساواة.

وقوله { أدفع بالتي هي أحسن } أمر للنبي صلى الله عليه وآله ان يدفع بالتي هي احسن وقيل: معنى الحسنة - ها هنا - المداراة. والسيئة المراد بها الغلظة. فأدب الله تعالى عباده بهذا الأدب. ثم قال { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } معناه دار القوم ولا تغلظ عليهم حتى كأن عدوك الذي يعاديك فى الدين بصورة وليك من حسن عشرتك له وبشرك له.

السابقالتالي
2