الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } * { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }

حكى الله تعالى عن الكفار انهم يقول بعضهم لبعض { لا تسمعوا لهذا القرآن } الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وآله ولا تصغوا إليه { والغوا فيه } لكي تغلبوه، ويجوز ان تغلبوه، فاللغو هو الكلام الذي لا معنى له يستفاد، وإلغاء الكلمة إسقاط عملها، ويقال: لغا يلغو لغواً، ولغاً، قال الراجز:
عن اللغا ورفث التكلم   
وإذا كانت جملة الكلام لغواً لا فائدة فيه لم يحسن وإذا كان تأكيداً لمعنى تقدم - وإن لم يكن له معنى في نفسه مفرد - حسن لانه يجري مجرى المتمم للكلمة التي تدل معها على المعنى، وإن لم يكن له معنى في نفسه. وقال مجاهد: قالوا خلطوا عليهم القول بالمكاء والصفير، وقال غيره: هو الضجيج والصياح، وأقسم تعالى فقال { فلنذيقن الذين كفروا } بالله وجحدوا آياته { عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون } قيل: معناه أسوأ الذي كانوا يعملون من المعاصي من جملة ما كانوا يعملون دون غيرها مما لا يستحق به العقاب. وقال قوم: خص بذلك الكبائر - زجراً وتغليظاً - بعينها. واقتصر في الصغير على الجملة فى الوعيد. ثم قال { ذلك } يعني ما تقدم الوعيد به { جزاء أعداء الله } الذين عادوه بالعصيان وكفروا به، وعادوا أولياءه: من الانبياء والمؤمنين وهي { النار } والكون فيها. فـ (النار) رفع بأنه بدل من قوله { ذلك } جزاؤهم وهو دخولهم فيها { لهم فيها دار الخلد } أي منزل دوام وتأبيد { جزاء } لهم وعقوبة على كفرهم به تعالى فى الدنيا وجحدهم لآياته. قال الفراء: هو كقولهم: لأهل الكوفة فيها دار صالحة، والدار هي الكوفة، وحسن ذلك لما اختلف لفظاهما، فكذلك قوله { ذلك جزاء أعداء الله النار } ثم قال { لهم فيها دار الخلد } وهي النار بعينها. وفي قراءة عبد الله { ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد } ، فهذا بين لا شيء فيه لأن الدار هي النار، فأعداء الله العصاة الذين يعاديهم الله - عز وجل - وليس هو من عداوة الانسان لغيره إلا أن يراد به أنه يعمل عمل المعادي، كما قاليخادعون الله والذين آمنوا... } ثم حكى ما يقول الكفار ايضاً، فانهم يقولون { ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس } قيل: أراد به إبليس الأبالسة وهو رأس الشياطين، وابن آدم الذي قتل أخاه، وهو قابيل. روي ذلك عن علي عليه السلام، لأن قابيل أسس الفساد في ولد آدم. وقيل: هم الدعاة إلى الضلال من الجن والانس.

وقوله { نجعلهما تحت أقدامنا } انهم لشدة عداوتهم وبغضهم لهم بما أضلوهم وأغووهم يتمنون ان يجعلوهما تحت اقدامهم ويطؤهم { ليكونا من الأسفلين } وقيل: المعنى فيكونا فى الدرك الاسفل من النار.

وقوله { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } اخبار منه تعالى أن الذين يقرون بلسانهم بتوحيد الله ويصدقون أنبياءه ويعترفون بالله { يقولون ربنا الله ثم استقاموا } أي استمروا على ما توجبه الربوبية.

السابقالتالي
2