الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ } * { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ }

خمس آيات كوفي وشامي وأربع في ما عداهما سوى البصري عد إسماعيل والكوفى والشامي " يسبحون " وعد المدني الاول والمكى " في الحميم " وعد الكوفي والشامي " تشركون " وهي ثلاث آيات بصري لأنه عندهم آخر الاولى " يسبحون " والثانية " الكافرون " والثالثة " تمرحون ".

قوله { إذ الأغلال } متعلق بقوله { فسوف يعلمون.. إذ الأغلال } أي يعلمون في حال ما تجعل الأغلال وهي جمع غل، وهو طرق يدخل في العنق للألم والذل. وأصله الدخول من قولهم: انغل في الشيء إذا دخل فيه. والغلول الخيانة التي تصير كالغل في عنق صاحبها، والاعناق جمع عنق وهو مركب الرأس بين البدن وبينه، وقولهفاضربوا فوق الأعناق } أي اصل الرأس وما والاه، وقوله { والسلاسل } أي وتجعل السلاسل ايضاً في اعناقهم. وقرأ ابن عباس { والسلاسل } بالنصب { يسحبون } بفتح الياء بمعنى يسحبون السلاسل. وحكي عنه الجر أيضاً بتقدير، وهم في السلاسل يسبحون. والجر ضعيف عند النحويين، لان حرف الجر لا يجوز إضماره وأجاز بعضهم ذلك على ضعفه بأن يتوهم أن التقدير إذ الاغلال في الاعناق. والسلاسل جمع سلسلة وهي حلق منتظمة فى جهة الطول مستمرة. ويقال: تسلسلت المعاني إذا استمرت شيئاً قبل شيء كالسلسلة الممدوة، وقوله { يسحبون } أي يجرون على الأرض. وموضع { يسحبون } النصب على الحال، وتقديره إذ الاغلال والسلاسل فى أعناقهم مسحوبين على النار والسحب جر الشيء على الارض، هذا أصله يقال: سحب عليه ما يلزمه من الأصل الفاسد، ويسحب الكافر على وجهه في النار سحباً { في الحميم } وهو الماء الذي يبلغ الغاية في الحرارة { ثم في النار يسجرون } فالسجر القاء الحطب فى معظم النار كالتنور الذي يسجر بالوقود، فهؤلاء الكفار لجهنم كالسجار للتنور { ثم قيل لهم } على وجه التوبيخ لايلام قلوبهم كايلام ابدانهم بالتعذيب { أينما كنتم تشركون من دون الله } فتوجهون العبادة اليه من الاصنام والاوثان فيخلصوكم وينصروكم من عذاب الله { قالوا } في الجواب { ضلوا عنا } ثم يستدركون فيقولون { بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً } ومعناه لم نكن ندعو من قبل شيئاً يستحق العبادة وما ينتفع بعبادته، فلذلك أطلق القول فقال الله تعالى { كذلك يضل الله الكافرين } قال الحسن: معناه كذلك يضل اعمالهم بأن يبطلها. وقيل: معناه كذلك يضل الله الكافرين عن نيل الثواب. وقيل: كذلك يضل الله الكافرين عما اتخذوه إلهاً بأن يصرفهم عن الطمع في نيل منفعته من جهتها. ثم يقول موبخاً لهم { ذلكم } أي ما فعل بكم جزاء { بما كنتم تفرحون في الأرض } والفرح والمرح والبطر والاشر نظائر { بغير الحق } أي كنتم تفرحون بالباطل والفرح بالحق لا يوبخ عليه { وبما كنتم تمرحون } أي وجزاء بما كنتم تبطرون في معاصي الله. والمرح الاختيال في السرور والنشاط قال الشاعر:
ولا ينسني الحدثان عرضي   ولا ارخي من الفرح الازارا