الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } * { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }

قرأ اهل الكوفه { تتذكرون } بالتاء على الخطاب. الباقون بالياء على الاخبار عنهم. وقرأ ابو جعفر وابن كثير ورويس ويحيى والبرجمي وابن غالب { سيدخلون } بضم الياء. على ما لم يسم فاعله. الباقون بفتح الياء على اسناد الفعل اليهم.

يقول الله تعالى { إن الذين يجادلون } أي يخاصمون { في } رفع { آيات الله } وابطالها { بغير سلطان } أي بغير حجة { أتاهم } اعطاهم الله إياها يتسلط بها على إنكار مذهب يخالف مذهبهم { إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } أي ليس في صدورهم إلا كبر. قال مجاهد: معناه الاعظمة وجبرية ما هم ببالغي تلك العظمة، لأن الله تعالى مذلهم. وقيل: معناه إلا كبر بحسدك على النبوة التي اكرمك الله بها { ما هم ببالغيه } لأن الله يرفع بها من يشاء. وقيل، منعا إلا كبر ما هم ببالغي مقتضاه ولا نالوه لان الكبر إنما يعمله صاحبه لمقتضى ان يعظم حاله، وهؤلاء يصير حالهم إلى الاذلال والتحقير بكفرهم فلا يبلغون ما في صدورهم من مقتضي كبرهم. وقيل: الآية نزلت في اليهود وان الكبر الذي ليس هم ببالغيه توقعهم امر الدجال، فاعلم الله تعالى ان هذه الفرقة التي تجادل ألا تبلغ خروج الدجال. فلذلك قال تعالى { فاستعذ بالله } ثم امر نبيه بأن يستعيذ بالله من شر هؤلاء المخاصمين { إنه هو السميع البصير } ومعناه انه يسمع ما يقول هؤلاء الذين يخاصمون في دفع آيات الله بصير بما يضمرونه وفي ذلك تهديد لهم في ما يقدمون عليه. وقيل: فيه وعدله بكفاية شرهم.

ثم قال تعالى { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس } معناه إن خلق السموات والارض على ما هما عليه من العظم والثقل مع وقوفهما من غير عمد وجريان الفلك والكواكب من غير سبب اعظم في النفس وأهول في الصدر من خلق الناس، وإن كان عظيماً لما فيه من الحياة والحواس المهيأة لانواع مختلفة من الادراكات إلا ان امر السموات والارض خارج عن مقتضى الطبيعة، او ان يكون فاعلهما وخالقهما يجرى مجرى العباد في الجسمية، فهو اكبر شأناً من هذه الجهة { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } لعدولهم عن الفكر فيه والاستدلال على صحته وإدخال الشبهة على نفوسهم فيه، وذكر كبر خلق السموات والارض وما هو خارج عن الطبيعة حجة على المشركين في انكار النشأة الثانية مما هو خارج عن عادة الولادة.

ثم قال { وما يستوي الأعمى والبصير } أي لا يتساوى من عمي عن طريق الرشد والصواب فلم يهتد اليها، والبصير الذي أبصرها واهتدى اليها { والذين آمنوا وعملوا الصالحات. ولا المسيء } أي ولا يتساورى ايضاً الذين آمنوا بالله تعالى وعملوا الصالحات من الأعمال والذين اساؤا وظلموا نفوسهم بارتكاب المعاصي.

السابقالتالي
2