الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً }

هذه الآية نزلت في قوم أظهروا للنبي (صلى الله عليه وسلم) الاسلام بمكة، فلما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) وهاجر أصحابه فتنوهم آباؤهم عن دينهم فافتتنوا وخرجوا مع المشركين يوم بدر فقتلوا كلهم. وقيل: انهم كانوا خمسة نفر. قال عكرمة: هم قيس بن الفاكة بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الاسود بن أسد، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاص بن ميتة بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف. وذكر أبو الجارود عن أبي جعفر (ع) مثله، فانزل الله فيهم الآيات. وقال (ع): ان الذين توفاهم الملائكة يعني قبض أرواحهم { ظالمي أنفسهم } نصب على الحال يعني في حال هم فيها ظالموا نفوسهم بمعنى بخسوها حقها من الثواب وأدخلوا عليها العقاب بفعل الكفر. وقالت لهم الملائكة { فيم كنتم } أي في أي شيء كنتم من دينكم على وجه التقرير لهم والتوبيخ لفعلهم { قالوا كنا مستضعفين في الأرض } يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوتهم، ويمنعونا من الايمان بالله واتباع رسوله على جهة الاعتذار فقالت لهم الملائكة { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } يعني فتخرجوا من أرضكم وداركم وتفارقوا من يمنعكم من الايمان بالله وبرسوله إلى أرض يمنعكم أهلها من أهل الشرك، فتوحدوه وتعبدوه وتتبعوا نبيه ثم قال تعالى { فأولئك مأواهم جهنم } يعني مسكنهم جهنم { وساءت } يعني جهنم لأهلها الذين صاروا إليها { مصيراً } وسكناً ثم استثنى من ذلك المستضعفين الذين استضفعهم المشركون { من الرجال والنساء والولدان } وهم الذين يعجزون عن الهجرة لاعسارهم وقلة حيلتهم { ولا يهتدون سبيلاً } يعني في الخلاص من مكة. وقيل معناه لا يهتدون لسوء معرفتهم بالطريق من أرضهم إلى أرض الاسلام استثنوا من جملة من أخبر أن مأواهم جهنم للعذر الذي هم فيه.

ونصب المستضعفين بالاستثناء من الهاء والميم في قوله: { مأواهم جهنم } فقال تعالى: { فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } يعني لعل الله أن يعفو عنهم لما هم عليه من الفقر ويتفضل عليهم بالصفح عنهم في تركهم الهجرة من حيث لم يتركوها اختياراً { وكان الله عفواً غفوراً } ومعناه لم يزل الله ذا صفح بفضله عن ذنوب عباده بترك عقوبتهم على معاصيهم { غفوراً } ساتراً عليهم ذنوبهم بعفوه لهم عنها. قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين. قال عكرمة وكان العباس منهم وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يدعو في دبر صلاة الظهر اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن ربيعه وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. وبالجملة التي ذكرناها قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والسدي، وقتادة، والضحاك، وابن وهب، وابن جبير.

السابقالتالي
2