الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

القراءة، والحجة:

قرأ أهل المدينة، وابن عباس، وخلف { السلم } بغير الف. الباقون بالف. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما فتثبتوا (بالثاء) من الثبوت في الموضعين ها هنا وفي الحجرات الباقون { فتبينوا } من التبين. وقرئ من طريق النهرواني لست مؤمناً - بفتح الميم الثانية - الباقون بكسرها وبه قرأ أبو جعفر محمد بن علي (ع) على ما حكاه البلخي. فمن قرأ بالثاء من الثبوت. فانما اراد التثبت الذي هو خلاف العجلة. ومن قرأ بالياء والنون، أراد من التبيين الذي هو النظر، والكشف عنه حتى يصح. والمعنيان متقاربان، لأن المثبت متبين، والمتبين مثبت. ومن قرأ { السلم } بلا الف أراد الاستسلام. ومنه قوله:وألقوا إلى الله يومئذ السلم } أي استسلموا. وقوله: { ورجلاً سلماً } أي مستسلماً. وروى أبان عن عاصم بكسر السين. والمعنى خلاف الحرب. ومن قرأ بالف ذهب إلى التحية. ويحتمل أن يكون المراد لا تقولوا لمن اعتزلكم وكف عن قتالكم: لست مؤمناً. قال أبو الحسن: يقولون: انما فلان سلام إذا كان لا يخالط أحداً.

المعنى:

خاطب الله تعالى بهذه الآية المؤمنين الذين إذا ضربوا في الارض بمعنى ساروا فيها للجهاد وأن يتأنوا في قتال من لا يعلمون كفره، ولا ايمانه، وعن قتل من يظهر الايمان وان ظن به الكفر باطناً. ولا يعجلوا حتى يبين لهم أمرهم فانهم ان بادروا ربما أقدموا على قتل مؤمن. ولا يقتلوا من استسلم لهم، وكف عن قتالهم، واظهر انه اسلم. وألا يقولوا لمن هذه صورته: لست مؤمناً، فيقتلوه طلب عرض { الحياة الدنيا } يعني متاع الحياة الدنيا الذي لا بقاء له. فان عند الله مغانم كثيرة وفواضل جسيمة فهو خير لكم إن أطعتم الله فيما أمركم به، وانتهيتم عما نهاكم عنه.

النزول:

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال عمر بن شبة: نزلت في مرداس رجل من غطفان، غشيتهم خيل المسلمين، فاستعصم قومه في الجبل، وأسهل هو مسلماً مستسلماً، فاظهر لهم اسلامه، فقتلوه، وأخذوا ما معه. وقال أبو عمر والواقدي، وابن اسحاق. نزلت في عامر بن الاضبط الاشجعي لقيته سرية لأبي قتادة فسلم عليه فشد محلم بن جثامة فقتله لاحنة كانت بينهم، ثم جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) وسأل ان يستغفر له فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) " لا غفر الله لك " وانصرف باكياً فما مضت عليه سبعة أيام حتى هلك فدفن، ثم لفظته الارض فجاؤا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وأخبروه فقال (ع): إن الارض تقبل من هو شر من محلم صاحبكم، لكن الله أراد أن يعظم من حرمتكم، ثم طرحوه بين صد في جبل، والقوا عليه الحجارة، فنزلت الآية.

السابقالتالي
2