الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

المعنى:

أخبر الله تعالى في هذه الآية ان من يقتل مؤمناً متعمداً يعني قاصداً إلى قتله ان جزاؤه جهنم خالداً فيها أي مؤبداً في جهنم وغضب الله عليه. وقد بينا ان غضب الله هو ارادة عقابه، والاستخفاف به. { ولعنه } معناه أبعده من ثوابه ورحمته { وأعد له عذاباً عظيماً } يعني لا يعلمون قدر مبلغه لكثرته واختلفوا في صفة قتل العمد، فعندنا أن من قصد قتل غيره بما يقتل مثله في غالب العادة سواء كان بحديدة حادة كالسلاح أو مثقلة من حديد أو خنق أو سم أو إحراق أو تفريق أو موالات ضرب بالعصا حتى يموت أو بحجارة ثقيلة فان جميع ذلك عمد يوجب القود، وبه قال ابراهيم، وعبيد بن عمير، والشافعي، وأصحابه، واختاره الطبري. وقال قوم: لا يكون قتل العمد إلا ما كان بحديد. ذهب إليه سعيد ابن المسيب، وابراهيم، والشافعي في رواية أخرى، وطاووس وأبو حنيفة وأصحابه غير أن عندنا أنه إذا قتله بغير حديدة فلا يستقاد منه إلا بحديدة. وقال الشافعي يستقاد منه بمثل ما قتل به فأما القتل شبيه العمد فهو ان يضربه بعصا أو غيرها مما لم تجر العادة بحصول الموت عنده، فاذا مات منه، كان شبيه العمد، وفيه الدية مغلظة في مال القاتل خاصة لا يلزم العاقلة. وقد بينا اختلاف الفقهاء في مسائل الخلاف في هذه المسألة. واستدلت المعتزلة بهذه الآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد في نار جهنم. وأنه اذا قتل مؤمناً، فانه يستحق الخلود، ولا يعفى عنه بظاهر اللفظ. ولنا أن نقول: ما أنكرتم أن يكون المراد بالآية للكفار ومن لا ثواب له أصلا. فأما من هو مستحق للثواب، فلا يجوز أن يكون مراداً بالخلود أصلا، لما بيناه فيما مضى من نظائره. وقد روى أصحابنا أن الآية متوجهة إلى من يقتل المؤمن لايمانه، وذلك لا يكون إلا كافراً. وقال عكرمة، وابن جريج: إن الآية نزلت في انسان بعينه ارتد ثم قتل مسلماً، فانزل الله تعالى فيه الآية، لأنه كان مستحلا لقتله، على أنه قد قبل: إن قوله: { خالداً فيها } لا يفهم من الخلود في اللغة الاّ طول اللبث، فأما البقاء ببقاء الله، فلا يعرف في اللغة، ثم لا خلاف أن الآية مخصوصة بمن لا يتوب، لأنه إن تاب فلا بد من العفو عنه اجماعاً، وبه قال مجاهد. وقال ابن عباس: لا توبة له ولا إذا قتله في حال الشرك ثم أسلم وتاب. وبه قال ابن مسعود، وزيد بن ثابت والضحاك. ولا يعترض على ما قلناه قول من يقول ان قاتل العمد لا يوفق للتوبة، لأن هذا القول إن صح فانما يدل على أنه لا يختار التوبة.

السابقالتالي
2