الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

المعنى والاعراب:

قوله: { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ } معناه لم يأذن الله، ولا أباح لمؤمن أن يقتل مؤمناً فيما عهده إليه، لأنه لو أباحه وأذن فيه ما كان خطأ. والتقدير إلا أن يقتله خطأ، فان حكمه هكذا على ما ذكر. فذهب إلى هذا قتادة وغيره.

وقوله: { إلا خطأ } استثناء منقطع - في قول أكثر المفسرين - وتقديره إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ، وليس ذلك مما جعل الله له، ومثله قول الشاعر:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ   على الارض إلا ريط برد مرجل
والمعنى لم تطأ على الارض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس ذيل البرد من الارض. وقد ذكرنا لذلك نظائر فيما مضى، ولا نطول باعادتها. وتقدير الآية: إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وليس ذلك مما جعل الله له. وقال قوم: الاستثناء متصل والمعنى: لم يكن للمؤمن أن يقتل متعمداً مؤمناً. ومتى قتله متعمداً لم يكن مؤمناً فان ذلك يخرجه من الايمان، ثم قال: { إلا خطأ } ومعناه إن قتله له خطأ لا يخرجه من الايمان. ثم أخبر تعالى بحكم من قتل من المؤمنين مؤمناً خطأ، فقال: { ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة }. ومعناه فعليه تحرير رقبة مؤمنة. يعني مظهرة للايمان وظاهر ذلك يقتضي أن تكون بالغة ليحكم لها بالايمان وذلك في ماله خاصة. { ودية مسلمة إلى أهله } تؤديها عنه عاقلته إلى أولياء المقتول إلا أن يصدق أولياء المقتول حينئذ تسقط عنهم. وموضع (أن) من قوله: { إلا أن يصدقوا } نصب، لأن المعنى فعليه ذلك إلا أن يصدقوا

النزول:

وقيل: إن الآية نزلت في عياش ابن أبي ربيعة المخزومي: أخي أبي جهل، لأنه كان أسلم، وكان قد قتل رجلا مسلماً بعد اسلامه، وهو لا يعلم باسلامه. وهذا قول مجاهد، وابن جريج، وعكرمة، والسدي. وقالوا: المقتول هو الحارث بن يزيد بن أبي نبشية العامري. ولم يعلم أنه اسلم، وكان أحد من رده عن الهجرة، وكان يعذب عياشاً مع أبي جهل، قتله بالحرة بعد الهجرة. وقيل: قتله بعد الفتح وقد خرج من مكة وهو لا يعلم باسلامه. ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر (ع). وقال ابن زيد: نزلت في رجل قتله أبو الدرداء، كان في سرية فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة، فوجد رجلا من القوم في غنم له، فحمل عليه بالسيف فقال: لا إله إلا الله! فبدر فضربه ثم جاء بغنمه إلى القوم ثم وجد في نفسه شيئاً فأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فذكر ذلك له، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): ألا شققت عن قلبه فقال: ما عسيت أن أجد! هل هو إلا دم أو ماء؟ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه قال كيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله؟! قال فكيف بي يا رسول الله؟ قال: وكيف بلا إله إلا الله؟! حتى تمنيت أن يكون ذلك اليوم مبتدأ إيماني، ثم نزلت هذه الآية والذي ينبغي أن يعول عليه ان ما تضمنته الآية حكم من قتل خطأ ويجوز في سبب نزول الآية كل واحد مما قيل.

السابقالتالي
2 3 4