الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً }

المعنى واللغة:

قيل في معنى الشفاعة ها هنا قولان:

أحدهما - قال أبو علي: الشفاعة الحسنة: الدعاء للمؤمنين. والشفاعة السيئة: الدعاء عليهم، لأن اليهود كانت تفعل ذلك فتوعدهم الله تعالى عليه. وقال الحسن، ومجاهد، وابن زيد: الشفاعة هي مسألة الانسان في صاحبه أن يناله خير بمسألته. وقال الازهري معنى { من يشفع شفاعة حسنة } من يزد عملا إلى عمل. والشفع: الزيادة. سئل تغلب عن اشتقاق الشفعة، فقال: الزيادة وهو أن يشفعك في ما تطلبه حتى تضمه إلى ما عندك، فتشفعه أي تزيده بها إن كان واحداً، فضمت إليه ما زاد صار شفعاً.

وعندنا ان حقيقة الشفاعة هي المسألة في اسقاط الضرر. وانما تستعمل في مسألة المنافع مجازاً، لأن أحداً لا يقول: إنا نشفع في النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا سألنا الله أن نزيد في كراماته، ولو كان الامر على ما قاله الحسن، ومجاهد، لكنا شافعين فيه. ووجه اتصال هذا الكلام بما تقدم، انه لما قيل { لا تكلف إلا نفسك } عقب ذلك بان لك مع هذا في دعاء المؤمنين إلى الحق ما للانسان في شفاعة صاحبه بخير يصل إليه، لئلا يتوهم ان العبد من أجل انه لا يؤخذ بعمل غيره، لا يتزيد فعله بعمل غيره.

الثاني - ان الشفاعة تصير الانسان شفعاً لصاحبه في جهاد عدوه من الكفار. والكفل: قال الحسن، وقتادة: هو الوزر، وهو قول أبي جعفر (ع). وقال السدي، والربيع، وابن زيد: هو النصيب. ومنه قوله: { يؤتكم كفلين من رحمته } وأصل الكفل: المركب الذي يهيأ كالسرج للبعير من كسا، أو خرق أو نحوه حول السنام. وانما قيل كفل، واكتفل البعير، لأنه لم يستعمل الظهر كله. وانما استعمل نصيب منه. وقال الازهري: الكفل الذي لا يحسن ركوب الفرس. وأصله الكفل: وهو ردف العجز. ومنه الكفالة بالنفس، وبالمال. والكفل المثل. والمقيت: قيل في معناه خمسة أقوال:

قال السدي، وابن زيد، والكسائي: هو المقتدر.

والثاني - قال ابن عباس، واختاره الزجاج: إنه الحفيظ.

والثالث - قال مجاهد: هو الشهيد.

والرابع - المقيت: الحسيب عنه.

والخامس - قال الجبائي: هو المجازي كأنه قال: وكان الله على كل شيء من الحسنات، والسيئات مجازياً. وأصل المقيت: القوت، قاته يقوته قوتاً: إذا أعطاه ما يمسك رمقه. والمقيت: المقتدر لاقتداره على ما يمسك رمقه. يقال منها قات الرجل يقيت اقاتة حكاه الكسائي وينشد للزبير بن عبد المطلب عم النبي (صلى الله عليه وسلم):
وذي ضغن كففت النفس عنه   وكنت على مساءته مقيتا
فهذه لغة قريش. وقال كثير:
وما ذاك عنها عن نوال اناله   ولا انني منها مقيت على ود
أي مقتدر فأما قول اليهودي:
ألي الفضل أم علي إذا حو   سبت اني على الحساب مقيت
قيل: ومعناه موقوف. أي كما ان من يحتاج إلى القوت موقوف على سدّ خلته. ويحتمل معنى مقيت أي مقتدر على الحساب بتوجيه إلى انه لي أو علي بحسب عملي. وقال ابن كثير: المقيت الواصب وهو القائم على كل شيء بالتدبير. وأقوى الوجوه معنى المقتدر بدلالة البيت الذي للزبير بن عبد المطلب.