الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً }

المعنى:

هذا الآية تدل على أربعة أشياء:

أحدها - على بطلان التقليد، وصحة الاستدلال في اصول الدين، لأنه حث ودعا إلى التدبر. وذلك لا يكون إلا بالفكر والنظر.

والثاني - يدل على فساد مذهب من زعم ان القرآن، لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول له من الحشوية، والمجبرة، لأنه تعالى حث على تدبره، ليعلموا به.

الثالث - يدل على أنه لو كان من عند غير الله، لكان على قياس كلام العباد من وجود الاختلاف فيه.

الرابع - تدل على أن المتناقض من الكلام ليس من فعل الله، لأنه لو كان من فعله، لكان من عنده، لا من عند غيره.

اللغة:

والتدبر: هو النظر في عواقب الامور. وأصله الدبر. والتدابر: التقاطع، لأن كل واحد يولي الآخر دبره، بعداوته له. ودبر القوم يدبرون دباراً: إذا هلكوا، لأنهم يذهبون في جهة الادبار عن الغرض. وادبر القوم: إذا ولى أمرهم عن الرشد. والدبر: النحل. والدبر: المال الكثير. والتدبير: اصلاح الامر لعاقبة. وفي الحديث " لا تدابروا " أي لا تكونوا أعداء. والفرق بين التدبر والتفكر ان التدبر تصرف القلب بالنظر في العواقب، والتفكر تصرف للقلب بالنظر في الدلائل. والاختلاف: هو امتناع أحد الشيئين أن يسد مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته كالسواد الذي لا يسد مسد البياض، وكذلك الذهاب في الجهات المختلفة جهة الخلف، والقدام واليمين، والشمال. وقيل في معنى الاختلاف ها هنا ثلاثة أقوال:

أحدها - قال أبو علي من جهة بليغ، ومرذول. وقال الزجاج: الاختلاف في الاخبار بما يسرون.

الثالث - قال قتادة، وابن زيد: اختلاف تناقض من جهة حق، وباطل. والاختلاف على ثلاثة اضرب: اختلاف تناقض، واختلاف تفاوت، واختلاف تلاوة. وليس في القرآن اختلاف تناقض، ولا اختلاف تفاوت، لأن اختلاف التفاوت هو في الحسن والقبح، والخطأ والصواب، ونحو ذلك مما تدعو إليه الحكمة أو يصرف عنه. وأما اختلاف التلاوة، فهو ما تلاءم في الحسن، فكله صواب، وكله حق. وهو اختلاف وجوه القراءات واختلاف مقادير الآيات والسور واختلاف الاحكام في الناسخ والمنسوخ. ومن اختلاف التناقض ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى فساد الآخر. وكلاهما باطل. نحو مقدارين وصف أحدهما بأنه أكبر من الآخر ووصف الآخر بأنه أصغر منه، فكلاهما باطل إذ هو مساو له. وفي الناس من قال: انتفاء التناقض عن القرآن إنما يعلم انه دلالة على أنه من فعل الله، لما أخبرنا الله تعالى بذلك. ولولا أنه تعالى أخبر بذلك كان لقائل أن يقول: إنه يمكن أن يتحفظ متحفظ في كلامه ويهذبه تهذيباً، لا يوجد فيه شيء من التناقض وعلى هذا لا يمكن أن يجعل ذلك جهة اعجاز القرآن قبل أن يعلم صحة السمع، وصدق النبي (صلى الله عليه وسلم).