الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }

اللغة والمعنى:

أعلمهم الله تعالى في هذه الآية أن الآجال لا تخطئهم، ولا تنفعهم الخشية من القتل ولو كانوا في بروج مشيدة، وأينما كانوا من المواضع أدركهم الموت بمعنى أصابهم. " وأينما " كتبت موصولة. وفي قوله: { إن ما توعدون } مفصولة، لأن الأولى زائدة.

والثاني - بمعنى الذي ففصلت هذه كما تفصل الاسماء، ووصلت تلك كما توصل الحروف. وقيل في معنى البروج ثلاثة أقوال:

أحدها - قال مجاهد، وابن جريج: هي القصور.

الثاني - قال السدي، والربيع: هي قصور في السماء، باعيانها. وقال الجبائي: هي البيوت التي تكون فوق الحصون. وأصل البروج الظهور. يقال تبرجت المرأة: إذا أظهرت محاسنها. والبرج - في العين - اتساعها لظهورها بالاتساع. والمشيدة: المزينة بالجص. وهو الشيد. قال الجبائي: معناه المجصصة. وقال الزجاج، وغيره: معناه المطولة في ارتفاع. وقال قوم: المشدد، والمخفف سواء إلا من جهة تكثير الفعل. وقال آخرون: المشيدة بالتشديد - المطولة. والمشيدة بالتخفيف - المطلية بالجص والنورة. والشيد رفع البناء. تقول شاد بناء يشيده شيداً: إذا رفعه. والشيد: الجص، لأنه مما يرفع به البناء. ويجوز أشاد الرجل بناءه. فأما بالذكر فتقول أشاد بذكره لا غير: إذا رفع منه.

وقوله: { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } حكاية عن المنافقين، وصفة لهم. في قول الحسن، وأبي علي وأبي القاسم. وقال الزجاج: قيل: هو في صفة اليهود. وبه قال الفراء. وذلك أن اليهود، لما قدم النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة، فكانوا إذا زكت ثمارهم، واخصبوا، قالوا هذا من عند الله، فاذا أجدبوا، وخاست ثمارهم، قالوا هذا لشؤم محمد (صلى الله عليه وسلم). وفي معنى الحسنة، والسيئة ها هنا قولان:

قال ابن عباس، وقتادة، وأبو العالية: هو السراء والضراء والبؤس. والرخاء، والنعمة والمصيبة، والخصب، والجدب. وقال الحسن، وابن زيد: هو النصر، والهزيمة. وقوله: { من عندك } قيل في معناه قولان:

أحدهما - قال ابن زيد: معناه بسوء تدبيرك.

والثاني - قال الجبائي، والبلخي، والزجاج. أي بشؤمك الذي لحقنا كما حكي عن قوم موسى { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } فأمر الله تعالى نبيه أن يقول: إن جميع ذلك من عند الله، ثم قال: { فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً } قال الفراء: (مال) كثرت في الكلام حتى توهموا أن اللام متصلة بما، وانها حرف واحد، ففصلوا اللام بما خفضت في بعض المواضع، ووصلوها في بعض المواضع. والاتصال الوجه. والوقف على اللام، لا يجوز، لأنها لام الخفض. والمعنى أي شيء لهؤلاء القوم، لا يفقهون حديثاً، أي لا يفهمون معناه. تقول: فقه الرجل يفقه فقهاً والاسم الفقيه: وصار بعرف الاستعمال علماً على علم الفقهاء من علوم الدين. وفقه الرجل يفقه فقهاً: إذا صار فقيهاً. وأفقهته: أفهمته والتفقه: تعلم الفقه وتفاقه: إذا تعاطى ليرى انه فقيه. وليس هو كذلك. ومثله تعالم وقيل: معنى الحديث ها هنا القرآن. وقوله: { لا يكادون } معناه لا يقاربون فيه معنى الحديث الذي هو القرآن، لأنهم بعيدون منه باعراضهم عنه، وكفرهم به ولا يفهمون ان ما ذكرناه من السراء، والضراء، والشدة والرخاء على ما وصفناه.