الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

لما أخبر الله تعالى في الآية الاولى ان قوماً من المنافقين يثبطون المؤمنين عن جهاد العدو والقتال في سبيل الله، حث في هذه الآية على الجهاد، بأن قال: لا تلتفتوا إلى تثبيط المنافقين، وقاتلوا في سبيل الله بائعين للدنيا بالآخرة، إذ لكم بذلك أعظم الأجر وأكبر الحظ. وقال الزجاج: فليكن من الذين يقاتلون في سبيل الله أو عمن كان بينه وبينكم عقد مودة. ومعنى { يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة. وبيعهم إياها بالآخرة هو استبدالهم إياها بالآخرة ببذلهم أنفسهم، وأموالهم في سبيل الله، وبتوطين أنفسهم على الجهاد في طاعة الله.

يقال: شريت بمعنى بعت. واشتريت: ابتعت. ويشرون: يبيعون - في قول الحسن، والسدي، وابن زيد، وجميع أهل اللغة -. قال يزيد بن مفرغ:
وشريت بردا ليتني   من بعد برد كنت هامة
وبرد اسم غلامه. وشريته بمعنى بعته. وفي الآية حذف. والتقدير يشرون الحياة الدنيا بالحياة الآخرة. كأنه قال: يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية. ويجوز يبيعون الحياة الدنيا بنعيم الآخرة، ثم قال: { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب }.

فالوعد على القتال، لا على القتل، والغلبة. وقوله: { فيقتل } عطف على يقاتل. ولذلك جزمه والجواب قوله: { فسوف نؤتيه } وإنما قال: أو يغلب، لأن الوعد على القتال حتى ينتهي إلى تلك الحال، لأنه أعظم الجهاد. وعليه أعظم الأجر.

والاجر العظيم هو أعلى أثمان العمل. وذلك أن ثمن العمل على ثلاثة أوجه. ثمن أعلى، وثمن أدنى، وثمن أوسط بينهما فالله تعالى يثامن عليه بالثمن الاعظم الاعلى، فلذلك حسن وصف الاجر بالعظم من غير تقييد له، إذ كان لا ثمن أعظم مما يثامن الله عليه في ذلك العمل.