الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً }

المعني بهذه الآية المنافقون الذين وصفهم الله بانهم يفرحون بتأخرهم عن المؤمنين إذا اصيبوا، وانهزموا. فاخبر عنهم انه إذا أصاب المؤمنين فضل من الله بان يظفروا أو يقهروا العدو، بانهم يتمنون الكون معهم، فيفوزوا فوزاً عظيماً. وانما ذمهم الله بهذا التمني لأحد أمرين:

أحدهما - لانهم قالوه على وجه ايثار الغنيمة لا على حال المثوبة من جهة الله لشكهم في الجزاء من الله.

الثاني - قال قتادة وابن جريج انهم قالوا: ذلك على جهة الحسد للمؤمنين. والاصابة. ملامسة المرمي لما وقعت به الرمية. فاذا قيل: أصاب - مطلقاً - فمعناه أصاب الغرض. ويجوز أن ينفى فيقال: لم يصب. يعني الغرض، وان أصاب غيره. وقوله: { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } قيل فيه ثلاثة أقوال:

أحدها - انه اعتراض بين القول، والتمني، ولا يكون له موضع من الاعراب. وتقديره ليقولن: يا ليتني كنت معهم، فأفوز فوزاً عظيماً. كأن لم يكن بينكم وبينه مودة.

الثاني - أن يكون اعتراضاً وموضعه التقديم. وتقديره فان أصابتكم مصيبة، قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً كأن لم يكن بينكم، وبينه مودة. واختار هذا الوجه أبو علي النحوي.

الثالث - أن يكون في موضعه على موضع الحال. كما تقول: مررت بزيد كأن لم يكن بينك وبينه معرفة فضلا عن مودة. والزجاج أجاز الوجوه الثلاثة.

المعنى:

وفي معنى الآية قولان:

أحدهما - قال الجبائي: المعنى ليقولن لهؤلاء الذين أقعدهم عن الجهاد، كأن لم يكن بينكم وبينه أي وبين محمد (صلى الله عليه وسلم) مودة، فيخرجكم لتأخذوا من الغنيمة، ليبغضوا إليهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

الثاني - انه يقول قول الممنوع بالعداوة. وانما أنى من جهله بتلك الحال. وهو الاظهر. والمعنى كأنه لم يعاقدكم على الايمان ولم يظهر لكم مودة على حال يخاطبون بذلك من اقعدوه عن الخروج، ثم يقول من قبل نفسه: يا ليتني كنت معهم. وقال الحسين بن علي المغربي: المعنى ليس يتمنون الكون معهم في الخبر، والشر، كأهل المودات، وانما يتمنون ذلك عند الغنيمة كالبعداء يذمهم بسوء العهد مع سوء الدين.

وانما نصب جواب التمني بالفاء، لأنه مصروف عن العطف محمول على تأويل المصدر. وتقديره يا ليتني كان لي حضور، معهم ففوز. ولو كان على العطف، لكان يا ليتني كنت معهم ففزت. وقرأ أبو جعفر المدني، وحفص، ورويس، والبرجمي: { كأن لم تكن } - بالتاء - لأن لفظة المودة مؤنثة. ومن قرأ بالياء، فلان التأنيث ليس بحقيقي، ومع ذلك قد وقع فصل بين الفعل، والفاعل.