الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

المعنى:

" ما " في قوله: { وما أرسلنا } نافية فلذلك قال: { من رسول } ، لأن (من) لا تزاد في الايجاب، وزيادتها تؤذن باستغراق الكلام كقولك: ما جاءني من أحد. والتقدير في الآية: وما أرسلنا رسولا إلا ليطاع، فيمتثل ما نأمره به. والذي اقتضى ذكر طاعة الرسول إعراض هؤلاء المنافقين - الذين تحاكموا إلى الطاغوت - عن طاعته، وهم يزعمون أنهم يؤمنون به حتى كأنه قد قيل لهم: من الايمان أن لا تطيعوه في كل ما يدعو إليه، فبين الله تعالى أنه كغيره من الرسل الذي ما أرسل إلا ليطاع. وقوله: { بإذن الله } معناه بأمر الله الذي دل على وجوب طاعتهم، والاذن على وجوه: يكون بمعنى اللطف، كقوله:وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } ومنها الأمر مثل هذه الآية. ومنها التخلية نحووما هم بضارّين به من أحد إلا بإذن الله } وقوله: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } معناه إذ بخسوها حقها بادخال الضرر عليها بفعل المعصية من استحقاق العقاب، وتفويت الثواب بفعل الطاعة.

الاعراب والمعنى:

وموضع { أنهم } رفع. والمعنى لو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم { لوجدو الله تواباً رحيماً } و (لو) موضوعة للفعل، لما فيها من معنى الجزاء تقول: لو كان كذا، لكان كذا. ولا يقع بعدها إلا (أن). وإنما اجيز في (أن) خاصة أن تقع بعدها، لأنها كالفعل في إفادة معنى الجملة. وفتحت (ان) لأنها مبنية على (لو) بترتيبها على نحو ترتيبها بعد العامل فيها. وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة: من أن الله تعالى يريد أن يعصي الانبياء قوم ويطيعهم آخرون، لأنه تعالى بين أنه ما أرسلهم إلا ليطاعوا، واللام لام الغرض ومعناه إلا وأراد من المبعوث إليهم أن يطيعوا. وذلك خلاف مذهبهم. وفيها أيضاً دلالة على أن من كان مرتكباً لكبيرة يجب أن يستغفر الله فان الله سيتوب عليه ويقبل توبته، ولا ينبغي لأحد أن يستغفر مع كونه مصراً على المعصية بل ينبغي أن يتوب ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود إلى مثله ثم يستغفر باللسان ليتوب الله عليه. وقوله: { لوجدوا الله } يحتمل أمرين:

أحدهما - لوجدوا مغفرة الله لذنوبهم ورحمته إياهم.

والثاني - لعلموا الله تواباً رحيماً. والوجدان قد يكون بمعنى الادراك، فلا يجوز عليه تعالى أنه تعالى غير مدرك في نفسه. وذكر الحسن في هذه الآية: أن اثني عشر رجلا من المنافقين اجتمعوا على أمر من النفاق وائتمروا به فيما بينهم، فاخبره الله بذلك، وقد دخلوا على رسول الله، فقال رسول الله: " إن اثني عشر رجلا من المنافقين اجتمعوا على أمر من النفاق، وائتمروا به فيما بينهم، فليقم أولئك فليستغفروا ربهم، وليعترفوا بذنوبهم حتى اشفع لهم ". فلم يقم أحد. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " ألا تقومون؟ مراراً -. ثم قال: قم يا فلان وأنت يا فلان " ، فقالوا يا رسول الله نحن نستغفر الله ونتوب إليه، فاشفع لنا. قال " الآن أنا كنت في إول أمركم أطيب نفساً بالشفاعة، وكان الله تعالى أسرع إلى الاجابة أخرجوا عني " ، فأخرجوا عنه حتى لم يرهم.