الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }

المعنى:

قد فسرنا معنى { ألم تر إلى الذين } فيما مضى، وأن معناه ألم تعلم في قول أكثر أهل العلم، واللغة وقال بعضهم: معناه ألم تخبر وفيه سؤال على وجه الاعلام.

وتأويله اعلم قصتهم ألم ينته علمك إلى هؤلاء الذين يزكون أنفسهم؟ وقيل في معناه قولان:

أحدهما - قال الحسن، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، وهو المروي عن أبي جعفر (ع): انهم اليهود، والنصارى في قوله:نحن أبناء الله وأحباؤه } وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم } قال الزجاج: اليهود جاءوا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) بأولادهم الاطفال، فقالوا يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): لا، فقالوا: كذلك نحن ما نعمل بالليل يغفر بالنهار، وما نعمل بالنهار يغفر بالليل، فقال الله تعالى: { بل الله يزكي من يشاء } وقال: مجاهد، وأبو مالك: كانوا يقدمونهم في الصلاة ويقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: كانوا يقولون: أطفالنا يشفعون لنا عند الله.

الثاني - روي عن عبد الله بن مسعود انه تزكية الناس بعضهم بعضاً لينالوا بذلك مالا من مال الدنيا، فأخبر الله تعالى أنه الذي يزكي من يشاء. وتزكيتهم أنفسهم هو أن يقولوا: نحن أزكياء.

اللغة والاعراب والنظم:

والزّكا النمو يقال زكا الزرع يزكو وزكا الشيء: إذا نما في الصلاح وقوله: { ولا يظلمون فتيلاً } قال الزجاج: لا يظلمون مقدار فتيل. فيكون نصبه على أنه مفعول ثان: كقولك: ظلمته حقه أي انتقصته حقه. قال الرماني: ويحتمل أن يكون نصباً على التمييز كقولك: تصببت عرقاً. وقيل في معنى الفتيل ها هنا قولان:

أحدهما - هو قول ابن عباس في رواية وقول عطاء ابن أبي رياح، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وعطية: إنه الذي في شق النواة. وقال الحسن: الفتيل ما في بطن النواة، والنقير: ما في ظهرها، والقمطير قشرها.

الثاني - ما فتلت بين اصبعيك من الوسخ. في رواية أخرى عن ابن عباس، وأبي مالك، والسدي: والفتل: لي الشيء يقال. فتلت الحبل أفتله فتلا، وانفتل فلان في صلاته. والفتيلة معروفة. واقة فتلاء. إذا كان في ذراعيها فتل عن الجنب. والفتيل في معنى المفتول.

ووجه اتصال قوله: { ولا يظلمون فتيلاً } بما قبله أنه لما قال: { بل الله يزكي من يشاء } نفى عن نفسه الظلم لئلا يظن أن الامر بخلافه.