الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

المعنى والاعراب:

قيل في معنى قوله: { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه } قولان:

أحدهما - قال الفراء، والزجاج، والرماني: ان يكون تبييناً للذين { أوتوا نصيباً من الكتاب } ويكون العامل فيه { أوتوا } وهو في صلة الذين، ويجوز ألا يكون في الصلة، كما تقول: انظر إلى النفر من قومك ما صنعوا.

الثاني - أن يكون على الاستئناف، والتقدير: { من الذين هادوا } فريق { يحرفون الكلم } كما قال ذو الرمة:
فضلوا ومنهم دمعه سابق له   وآخر يثني دمعة العين بالمهل
وأنشد سيبويه:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما   أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
وقال آخر:
لو قلت ما في قومها لم تيثم   يفضلها في حسب وميسم
أي أحد يفضلها وقال النابغة:
كأنك من جمال بني أقيش   يقعقع خلف رجليه بشن
يريد كأنك جمل من جمال بني أقيش.

قال الفراء: المحذوف { من } والتقدير: من الذين هادوا من يحرفون الكلم كما يقولون: منا يقول ذاك ومنا لا يقوله، قال: والعرب تضمر (من) في مبتدأ الكلام بمن، لأن من بعض لما هي منه، كما قال:وما منا إلا له مقام معلوم } وقال:وإن منكم إلا واردها } وأنشد بيت ذي الرمة الذي قدمناه، قال: ولا يجوز إضمار (من) في شيء من الصفات على هذا المعنى إلا في من لما قلناه، وضعف البيت الذي أنشدناه: (لو قلت ما في قومها لم تيثم) وهي لغة هوازن، وتأثم رواية أخرى. وقال انما جاز في (في) لأنك تجد (في) تضارع معنى (من) لأنه بعض ما أضيف، لأنك تقول: فينا الصالحون وفينادون ذلك، كأنك قلت: منا، ولا يجوز: في الدار يقول ذاك، وتريد: من يقول ذاك، لأنه إنما يجوز إذا أضفت (في) إلى جنس المتروك. وقال أبو العباس، والزجاج ما قاله الفراء لا يجوز، لأن (من) تحتاج إلى صلة أو صفة تقوم مقام الصلة، فلا يحسن حذف الموصول مع بقاء الصلة، كما لا يحسن حذف بعض الكلمة، وإنما قال: { من الذين هادوا } لأنه ليس جميع اليهود حرّفوا، وإنما حرّف أحبارهم وعلماؤهم.

وقوله: { يحرفون الكلم عن مواضعه } يعني يغيرونها عن تأويلها، والكلم جمع كلمة. وقال مجاهد: يعني بالكلم التوراة.

وقوله: { سمعنا وعصينا } يعني اليهود يقولون: سمعنا قولك يا محمد، ويقولون سراً عصينا.

وقوله: { واسمع غير مسمع } اخبار من الله تعالى عن اليهود الذين كانوا حوالي المدينة في عصره، لأنهم كانوا يسبون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويؤذونه بالقبيح من القول، ويقولون له: اسمع منا غير مسمع، كما يقول القائل لغيره إذا سبه بالقبيح: اسمع لا أسمعك الله، ذكره ابن عباس، وابن زيد. وقال مجاهد، والحسن: ان تأويل ذلك اسمع غير مقبول منك، أي غير مجاب.

السابقالتالي
2