الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

القراءة، والاعراب، والحجة:

قرأ أهل الكوفة { عقدت } بغير ألف، الباقون بألف، فمن قرأ باثبات الالف، قال: لأن المعاقدة تدل على عقد الحلف باليمين من الفريقين، وقال بعضهم إنه يعني عن ذلك جميع الأيمان، قال الرماني: هذا خطأ، لأنها قد تجمع لردها على أحد الفريقين الحالف بها، قال أبو علي الفارسي: الذكر الذي يعود من الصلة إلى الموصول ينبغي أن يكون منصوباً، فالتقدير: والذين عاقدتم أيمانكم، فجعل الأيمان في اللفظ هي المعاقدة، والمعنى على الحالفين الذين هم أصحاب الأيمان، فالمعنى: والذين عاقدت حلفهم أيمانكم، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فعاقدت أشبه بهذا المعنى، لأن لكل نفس من المعاقدين يميناً على المحالفة. ومن قال: { عقدت أيمانكم } كان المعنى: عقدت حلفهم أيمانكم، فحذف الحلف، وأقام المضاف إليه مقامه، والأولون حملوا الكلام على المعنى، حيث كان من كل واحد من الفريقين يمين، ومن قال: { عقدت } حمل على اللفظ، لفظ الأيمان، لأن الفعل لم يسند إلى أصحاب الأيمان في اللفظ، وإنما أسند إلى الأيمان.

المعنى واللغة:

ومعنى الآية جعلنا الميراث لكل من هو مولى الميت، والموالي المذكورون في الآية، قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد: هم العصبة، وقال السدي: هم الورثة: وهو أقواها، والتقدير ولكلكم جعنا ورثة مما ترك الوالدان والأقربون، ثم استأنف: والذين.

وأصل الموالي من ولي الشيء يليه ولاية، وهو الاتصال للشيء بالشيء، من غير فاصل، والمولى على وجوه: فالمولى المعتق، والمولى المعتق، والمولى العصبة، والمولى إبن العم، والمولى الحليف، والمولى الولي، والمولى الأولى بالشيء والاحق. فالمعتق مولي النعمة بالعتق، والمعتق لأنه مولى النعمة، والمولى الورثة، لأنهم أولى بالميراث، والمولى الحليف، لأنه يلي المحالف أمره بعقد اليمين، والمولى إبن العم، لأنه يلي النصرة لتلك القرابة، والمولى الولي، لأنه يلي بالنصرة. وفي التنزيل:ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } أي لا ناصر لهم، وهو ناصر المؤمنين، والمولى السيد. لأنه أولى بمن يسوده. قال الاخطل:
فاصبحت مولاها من الناس كلهم   وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا
والمولى الأولى والأحق، ومنه قوله (ع): " أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل " أي بغير إذن من هو أولى بها وأحق. وقال الفضل ابن العباس في المولى بمعنى ابن العم:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا   لا تظهرون لنا ما كان مدفونا
والمراد بقوله: { والذين عاقدت أيمانكم } قيل فيه ثلاثة أقوال:

أحدها - قال سعيد بن جبير، وقتادة، وعامر، والضحاك: إنهم الحلفاء.

الثاني - قال الحسن، وسعيد بن المسيب: هم رجال كانوا يتبنون، على عادة الجاهلية. ليجعل لهم نصيب من الوصية، ثم هلكوا، فذهب نصيبهم بهلاكهم.

الثالث - في رواية أخرى عن ابن عباس، وابن زيد انهم قوم آخى بينهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

السابقالتالي
2