الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

القراءة واللغة:

قرأ { بفاحشة مبينة } بفتح الياء، ابن كثير، وأبو بكر، عن عاصم. الباقون بالكسر، وهو الأقوى، لأنه لا يقصد إلى إظهارها. وقرأ حمزة والكسائي { كرهاً } بضم الكاف هنا وفي التوبة والأحقاف، وافقهما في الأحقاف عاصم، وابن عامر، إلا الحلواني، ويعقوب.

الكرَه والكرُه لغتان، مثل الشهد والشهُد، والضعف والضعف، والفقر والفقر.

المعنى:

هذا الخطاب متوجه إلى المؤمنين، نهاهم الله أن يرثوا النساء كرها، واختلفوا في معنى ذلك، فقال الزهري، والجبائي، وغيرهما، وروي ذلك عن أبي جعفر (ع): هو أن يحبس الرجل المرأة عنده، لا حاجة له اليها، وينتظر موتها حتى يرثها، فنهى الله (تعالى) عن ذلك. وقال الحسن، ومجاهد: معناه ما كان يعمله أهل الجاهلية، من أن الرجل اذا مات، وترك امرأته قال وليه: ورثت امرأته، كما ورثت ماله، فان شاء تزوجها بالصداق الأول، ولا يعطيها شيئاً، وإن شاء زوجها وأخذ صداقها، وروى ذلك أبوالجارود، عن أبي جعفر (ع). وقال مجاهد: إذا لم يكن الولي ابنها قال أبو مجلز: وكان أولى بالميراث أولى بها من ولي نفسها. وقوله: { ولا تعضلوهن } قيل فيمن عني بهذا النهي أربعة أقوال:

أحدها - قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، والضحاك: هو الزوج أمره الله بتخلية السبيل إذا لم يكن له فيها حاجة، ولا يمسكها إضراراً بها، حتى تفتدي ببعض مالها.

والثاني - قال الحسن: هو الوارث، نهي عن منع المرأة من التزويج، كما يفعل أهل الجاهلية على ما بيناه.

والثالث قال مجاهد: المراد الولي.

الرابع - قال ابن زيد: المطلق يمنعها من التزويج، كما كانت تفعل قريش في الجاهلية، ينكح الرجل منهم المرأة الشريفة، فاذا لم توافقه فارقها، على أن لا تتزوج إلا باذنه، فيشهد عليها بذلك، ويكتب كتاباً، فاذا خطبها خاطب، فان أعطته وأرضته، أذن لها وإن لم تعطه عضلها، فنهى الله عن ذلك. والأول أظهر الاقاويل.

اللغة:

والعضل هو التضييق بالمنع من التزويج، وأصله الامتناع، يقال: عضلت الدجاجة ببيضتها: إذا عسرت عليها، ومنه العضلة: لصلابتها، ومنه الداء العضال إذا لم يبرء، وعضل الفضا بالجيش الكثير إذا لم يمكن سلوكه لضيقه.

المعنى:

وقوله: { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قيل فيه قولان:

أحدهما - قال الحسن، وأبو قلابه، والسدي: يعني الزنا، وقالوا إذا أطلع منها على زنية فله أخذ الفدية.

والثاني - قال ابن عباس، والضحاك، وقتادة: هو النشوز، والأولى حمل الآية على كل معصية، لأن العموم يقتضي ذلك، وهو المروي عن أبي جعفر (ع) واختاره الطبري. وقوله: { وعاشروهن بالمعروف } قال السدي: معناه خالطوهن، وخالقوهن، من العشرة التي هي المصاحبة بما أمركم الله به من المصاحبة، بأداء حقوقهن التي أوجبها على الرجال، أو تسريح باحسان.

السابقالتالي
2